صفحة:آثار البلاد وأخبار العباد.pdf/32

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
(٣٣)

أمراضًا وذكر أن الماء إذا رشّ في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر وهي قليلة الآفات والعلل قليلة الذباب والهوام. إذا اعتلّ إنسان في غيرها ثم نقل إليها زالت علله.

قال محمّد بن زكرياء الرازي: من دخلها استوطنها ولا يخرج عنها لطيبها ووفور خيراتها وكثرة ذهبها، والله الموفق.

صنعاء

قصبة بلاد اليمن أحسن مدنها بناء وأصحّها هواء وأعذبها ماء وأطيبها تربة وأقلّها أمراضا ذكر أن الماء إذا رشّ في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر وهي قليلة الآفات والعلل قليلة الذباب والهوام. إذا اعتلّ إنسان في غيرها ونقل إليها يبرأ وإذا اعتلّت الإبل وأرعيت في مروجها تصحّ واللحم يبقى بها أسبوعًا لا يفسد.

بناها صنعاء بن ازال بن عنير بن عابر بن شالح شبّهت بدمشق في كثرة بساتينها وتخرّق مياهها وصنوف فواكهها. قال محمّد بن أحمد الهمذاني: أهل صنعاء في كلّ سنة يشتّون مرّتين ويصيّفون مرّتين فإذا نزلت الشمس نقطة الحمل صار الحرّ عندهم مفرطًا فإذا نزلت أوّل السرطان زالت عن سمت رؤوسهم فيكون شتاء فإذا نزلت أوّل الميزان يعود الحرّ إليهم مرّة ثانية فيكون صيفًا وإذا صارت إلى الجدي شتّوا مرّة ثانية غير أن شتاءهم قريب من الصيف في كيفيّة الهواء.

قال عمران بن أبي الحسن: ليس بأرض اليمن بلد أكبر من صنعاء وهو بلد بخطّ الاستواء بها اعتدال الهواء لا يحتاج الإنسان إلى رحلة الشتاء والصيف وتتقارب ساعات نهارها.

وكان من عجائب صنعاء غمدان الذي بناه التبابعة؛ قالوا: بانيه ليشرخ ابن يحصب؛ قال ابن الكلبي: اتّخذه على أربعة أوجه: وجه أحمر ووجه أبيض ووجه أصفر ووجه أخضر وبنى في داخله قصرًا على سبعة سقوف بين كلّ سقفين أربعون ذراعًا فكان ظلّه إذا طلعت الشمس يرى على ماء بينهما ثلاثة أميال وجعل في أعلاه مجلسًا بناه بالرخام الملوّن وجعل سقفه رخامة واحدة وصيّر على كلّ ركن من أركانه تمثال أسد إذا هبّت الريح يسمع منها زئير الأسد وإذا أسرجت المصابيح فيه ليلا كان سائر القصر يلمع من ظاهره كما يلمع البرق وفيه قال ذو جدن الهمداني:

وغمدان الذي حدّثت عنه
بناه مشيّدا في رأس نيق
بمرمرة وأعلاه رخام
تحام لا يعيّب بالشّقوق
مصابيح السّليط يلحن فيه
إذا أمسى كتوماض البروق
فأضحى بعد جدّته رمادًا
وغيّر حسنه لهب الحريق

وقال أميّة بن أبي الصّلت يمدح سيف بن ذي يزن في قصيدة آخرها: