صفحة:آثار البلاد وأخبار العباد.pdf/34

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
(٣٥)

الصّين

بلاد واسعة في المشرق ممتدّة من الإقليم الأوّل إلى الثالث عرضها أكثر من طولها قالوا: نحو ثلاثمائة مدينة في مسافة شهرين. وإنّها كثيرة المياه كثيرة الأشجار كثيرة الخيرات وافرة الثمرات من أحسن بلاد الله وأنزهها وأهلها أحسن الناس صورة وأحذقهم بالصناعات الدقيقة لكنّهم قصار القدود عظام الرؤوس لباسهم الحرير وحليهم عظام الفيل والكركدن ودينهم عبادة الأوثان. وفيهم مانويّة ومجوس ويقولون بالتناسخ ولهم بيوت العبادات.

من عجائب الصين الهيكل المدوّر؛ قال المسعودي: هذا الهيكل بأقصى بلاد الصين وله سبعة أبواب في داخله قبّة عظيمة البنيان عالية السمك وفي أعلى القبّة شبه جوهرة كرأس عجل يضيء منها جميع أقطار الهيكل وان جمعا من الملوك حاولوا أخذ تلك الجوهرة فما تمكّنوا من ذلك فمن دنا منها قدر عشرة أذرع خرّ ميتا وإن حاول أخذها بشيء من الآلات الطوال فإذا انتهت إليها هذا المقدار انعكست. وكذلك إن رمى إليها شيئا وإن تعرّض أحد لهمدم الهيكل مات وفي هذا الهيكل بئر واسعة الرأس من أكبّ عليها وقع في قعرها وعلى رأس البئر شبه طوق مكتوب عليه: هذه البئر مخزن الكتب التي هي تاريخ الدنيا وعلوم السماء والأرض وما كان فيها وما يكون وفيها خزائن الأرض لكن لا يصل إليها إلّا من وازن علمه علمنا فمن قدر عليه علمه كعلمنا ومن عجز فليعلم أنّه دوننا في العلم.

والأرض التي عليها هذا الهيكل أرض حجريّة عالية كجبل شامخ لا يرام قلعه ولا يتأتى نقبه وإذا رأى الناظر إلى تلك الهيكل والقبّة والبئر وحسن بنيتها مال قلبه إليها وتأسف على فساد شيء منها.

ومن عجائب الصين ما ذكر صاحب تحفة الغرائب ان بها طاحونة يدور حجرها التحتاني والفوقاني ساكن ويخرج من تحت الحجر دقيق لا نخالة فيه ونخالة لا دقيق فيها كلّ واحد منهما منفرد عن الآخر. وبها قرية عندها غدير فيه ماء في كلّ سنة يجتمع أهل القرية ويلقون فرسا في ذلك الغدير والناس يقفون على أطرافه كلّما أراد الفرس الخروج من الماء منعوه وما دام الفرس في الماء يأتيهم المطر فإذا أمطروا قدر كفايتهم وامتلأ الغدير أخرجوا الفرس وذبحوه على قلّة جبل وتركوه حتى يأكله الطير فإن لم يفعلوا ذلك في شيء من السنين لم يمطروا.

وبأرض الصين الذهب الكثير والجواهر واليواقيت في جبل من جبالها وبها من الخيرات الكثيرة من الحبوب والبقول والفواكه والسكر وفي جزائرها أشجار الطيب كالقرنفل والدارصيني ونحوها قالوا: القرنفل تأتي بها السيول من جبال