صفحة:آثار البلاد وأخبار العباد.pdf/46

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
47

وقالا : نشهد أنّك أويس القرني! فاستغفر لنا يغفر الله لك! فقال : ما أخصّ باستغفاري نفسي ولا أحدا من ولد آدم ولكنّه من في البحر والبرّ من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرّفكما أمري فمن أنتما؟ قال عليّ : أمّا هذا فعمر أمير المؤمنين وأمّا أنا فعليّ بن أبي طالب! فاستوى أويس وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وعليك يا عليّ بن أبي طالب فجزا كما الله عن هذه الأمّة خيرا! قالا : وأنت جزاك الله عن نفسك خيرا! فقال له عمر : مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكّة وآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي هذا المكان ميعاد بيني وبينك. فقال : يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم تعرفني ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى عليّ إزارا ورداء من صوف متى تراني أبليهما؟ أما ترى أني أخذت رعائي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يديّ ويديك عقبة كؤودا لا يجاوزها إلّا ضامر مخفّ مهزول! فلمّا سمع عمر ذلك ضرب بدرّته الأرض ثمّ قال بأعلى صوته : يا ليت عمر لم تلده أمّه! يا ليتها كانت عاقرا لم تعالج حملها! قال : يا أمير المؤمنين خذ أنت هاهنا حتى آخذ أنا هاهنا ؛ فولّى عمر نحو ناحية مكّة وساق أويس إبله فأتى القوم بإبلهم وخلّى الرعاية وأقبل على العبادة.

وحكي أن أويسا إذا خرج يرميه الصبيان بالحجارة وهو يقول : إن كان لا بدّ فبالصغار حتى لا تدموا ساقيّ فتمنعوني من الصلاة. وحدّث عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنّه نادى يوم صفّين رجل من أهل الشام : أفيكم أويس القرني؟ قلنا : نعم! ما تريد منه؟ قال : إني سمعت رسول الله يقول : أويس القرني خير التابعين بإحسان. وعطف دابته ودخل مع أصحاب عليّ فنادى مناد في القوم : أويس! فوجد في قتلى عليّ كرّم الله وجهه.

ومنها أبو عبد الله وهب بن منبّه وكان الغالب عليه قصص الأنبياء وأخبار القرون الماضية والوعظ ؛ قال : قرأت في بعض الكتب أن مناديا ينادي من السماء الرابعة كلّ صباح : أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده! أبناء الخمسين ماذا قدّمتم وماذا أخّرتم؟ أبناء الستّين لا عذر لكم! ليت الخلق لم يخلقوا وإذا خلقوا علموا لماذا خلقوا. قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم ؛ قال منعم بن ادريس :

إن وهب بن منبّه صلّى أربعين سنة صلاة الفجر بوضوء العشاء. مات سنة أربع عشرة ومائة.
هذا آخر ما عرفناه من الإقليم الأوّل.