صفحة:آثار البلاد وأخبار العباد.pdf/55

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
56

من الأيّام ويتناشدون أشعارهم التي أحدثوا.

وكانت العرب إذا أرادت الحجّ أقامت بسوق عكاظ شهر شوال ثمّ تنتقل إلى سوق مجنّة فتقيم فيه عشرين يوما من ذي القعدة ثمّ تنتقل إلى سوق ذي المجار فتقيم فيه إلى الحجّ والعرب اجتمعوا في هذه المواسم فإذا رجعوا إلى قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا وما سمعوا.

عن ابن عبّاس رضي الله عنه ان وفد اياد قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لهم : أيّكم يعرف قسّ بن ساعدة؟ قالوا : كلّنا نعرفه. قال : ما فعل؟ قالوا : هلك! فقال صلّى الله عليه وسلّم : ما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام على حمل أورق وهو يخطب الناس ويقول : أيّها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكلّ ما هو آت آت إن في السماء لخبرا : سحائب تمور ونجوم تغور في فلك يدور. ويقسم قسّ قسما ان الله دينا هو أرضى من دينكم هذا! ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟

ارضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا؟ ثمّ قال : أيّكم يروي شعره؟ فقال أبو بكر : أنا أحفظه يا رسول الله ؛ فقال : هات فأنشد :

في الذّاهبين الأوّلين من القرون لنا بصائر
لمّا رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر
لا يرجع الماضي ولا يبقى من الباقين غابر

قال ابن عبّاس رضي الله عنه : ذكر قسّ بين يدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : رحم الله قسّا إني لأرجو أن يأتي أمّة واحدة.

حكى رجل من ثقيف انّه رأى بسوق عكاظ رجلا قصير القامة على بعير في حجم شاة وهو يقول : أيّها الناس هل فيكم من يسوق لنا تسعا وتسعين ناقة ينطلق بها إلى أرض وبار فيؤدّيها إلى حماله صبار؟ قال : فاجتمع الناس عليه يتعجبون منه ومن كلامه وبعيره. فلمّا رأى ذلك عمد إلى بعيره وارتفع في الهواء ونحن ننظر إليه إلى أن غاب عن أعيننا.

ويكثر لأهل الحجاز الجذام لفرط الحرارة يحرق أخلاطهم فيغلب على مزاجهم السوداء سوى أهل مكّة فإن الله كفاهم ذلك.

وبها أشجار عجيبة كالدوم وهو شجر المقل قيل : إنّها شجر النارجيل في غير الحجاز والعنم ولها ثمرة طويلة حمراء تشبه أصابع العذارى والاسحل شجر المساويك والكنهبل والبشام ؛ قالوا : هو شجر البلسان بمصر والرتم والضال والسمر والسلع.

وبها جبل الحديد وهو في ديار بجيلة ويسمّى جبل الحديد إمّا لصلابة حجره أو لأنّه معدن الحديد.

أسرت بجيلة تأبّط شرّا فاحتال عليهم