صفحة:أبطال مصر (1922) - محمد السباعي.pdf/115

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ١٠٣ –

كائنا من كان لأ نا ننظر الى الوطنية نظرة اوسع واعمق مما اعتادان يلحظها بها أولئك الذين يعدونها ضربا من الحرف وصنفا من الصناعات والمهن يحترفونها فيقال فلان وطنى كما يقال فلان مهندس أو طبيب أو أولئك الذين يعدونها حلية وزينة يتملح بها المتبرج المتأنق فيقال فلان قد برع في الوطنية وحذقها كما يقال قد تفوق فلان في البلياردو او الرقص او الناي . ولكنا نرى الوطنية شيئا اعرق من كل ذلك في كيان الانسان وتركيبه وأشد امتزاجا بنفسه وارسخ جذورا في طينته وارسب اصولا بل لا نعدو الحقيقة اذا قلنا انها هي بالفعل مادة حياته وعنصر كيانه . فهي ليست حرفة الا اذا كان التنفس ذاته حرفة وليست حلية الا اذا كان الشعور والوجدان ذاته حلية . ولا هي مما يفتخر به ويباهى ویتیه به ساحبه عجبا و ادلالا الا اذا صح ان يفتخر انسان على آخر ويتيه ويزهى لغير ما سبب سوى انه حي يرزق وموجود تحت الشمس يستطيع أن يتحرك وبهضم . والواقع أن الانسان وطنى بالطبع مثلما هو مدنى بالطبع وانانى بالطبع وخرافي بالطبع الى غير ذلك من الغرائز والفطر المكون من مجموعها ذلك المخلوق المدهش المسمى انسانا . بل أنى لأذهب الى ابعد من ذلك فاقول أن الوطنية اعنى فرط تشبث الانسان وتعلقه بالارض التي منها نشأ ونجم ليست