صفحة:أدباء العرب في الأعصر العباسية.pdf/89

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

عيون ذارفة ، ونفوس حائرة ، و غصص آخذة بالخناق . خطب ينتظم العالم بشجنه ، وعالم متفجع بطوله وعرضه الفضل لف في كفيه ، والبأس غيب في ارضه . تلك اظهر خصائص الطائي في الرثاء . متلهف كثير التفجع ، جياش العاطفة صادق اللهجة ولا سها رثاؤه لانسبائه ؛ فان فيه الشعور القوي بالخسارة، والمباهاة بالميت ، والمغالاة في ذكر صفاته . هو رثاء مدح وفخر وتعظيم واكبار للخطب الشامل، لا رثاء ضعف عاطفي ، وبكاء اليم . وليس له رثاء تظهر فيه نفسه متألمة حزينة ضعيفة الا ما قاله في اخيه وابنه . وعلى الجملة فان احسن مراثيه ما جاء في اهله اقربائه، فجعل له منزلة تعادل منزلته في مدحه على قلة مراثيه ، وفرة مدائحه . ومع اتصاله بالعباسيين لم يحسن رثاء واحد منهم ، فقد مدح المأمون ولم يرته . وبالغ في مدح المعتصم يوم كان متصلا به ، فلما مات المعتصم لم يخصه برثية بل جعل رثاءه في قصيدة هنأ فيها الواثق بالخلافة، فغلبت عليها صفة المدح ، لان الشاعر لم يقصد الى الرثاء الا على سبيل تعزية الابن بابيه ، او ليأخذ بنوع طريف من البديع وهو الافتنان ، اي ان يؤتى بفنين متضادين في قصيدة واحدة، كالتهنئة والتعزية ، او كالمدح والهجاء . . ومن ذلك نفهم ان الشاعر لم يكن شديد الاخلاص لبني العباس، وانما توسل اليهم بمدائحه ليفيد منهم، ولا ينبغي ان ننسى تشيعه، وان كان في تشيعه معتدلاً حكيماً . و اكثر ما يستهل مراثيه بنعي الميت الى احياء العرب، او بشكوى الدهر ، او بدعوة الناس الى العويل . واذا جاشت عاطفته، واندفعت في حماستها تضاءل عندها العقل فما تجد منه واعظاً او حكيماً، بل ملتاع متفجع ، وقد يرسل المثل السائر ، ولكنه مثل عاطفي اكثر مما هو عقلي كقوله في نسليه محمد بن حميد الطوسي الطائي ا ولي محمد بن حميد الموصل في عهد المأمون ، فلما ظهر بابك الأرمي واستفحل امره قصده محمد بجيش ، فخرجت عليهم الكائن في الجبل،فانهزم رجال محمد ، وثبت محمدو بعض انصاره حتى اذا لم يبق معه الا رجل واحد اراد النجاة فادر كه بابك وقتله سنة ٢١٦( ۸۲۹م) .