صفحة:أدباء العرب في الأعصر العباسية.pdf/91

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الطاول ، ويسلم على الديار، ويبكي على الرسوم، ويستنطق الآثار ويذكر عرائس الشعر اللائي شيب بين المتقدمون - وهذا الغزل جاف في اكثره ، جاف في معانيه . واذا عثرت فيه على تشبيب حسن يرضيك ، فما تعثر على شعور رقيق يشجيك . وقد تلغي فيه صنعته على غرابة لفظه و بداوة معانيه ، ولكنك لا تتبين نفسية صاحبه في قوافيه . فهو غزل كاذب لا يصور عاطفة العاشق المحب ، بل يمثل كلف الشاعر بتقليد المتقدمين ، واعجابه مذاهب اهل الخيام ، وعرائس الشعر عندهم على ان لابي تمام غزلا غير هذا يصور عاطفته اصدق تصوير ، وهو الذي تجده في دیوانه مقطعات صغيرة ، منها بيتان ومنها اربعة ، وقلما زادت كبراها على ستة . فهذه المقطعات ان هي إلا زفرات مشتعلة تتقد بها نفس الشاعر المستهام ، فترى منه محباً شديد الغيرة على محبوبه ، يتلظى غيظاً اذا زاحمه فيه مزاحم وفي هذا النوع من الشعر ترق الفاظه، و تلطف معانيه ، ويقل تكلفه لاقتصاده في طلب الصنعة . ولم يتعهر في هذا الغزل الا قليلا . ذلك بان اخلاق الطائي تأبى المجاهرة بالخلاعة وتؤثر الترصن والوقار . غير انه لم يشذ عن خطة معاصريه في التذلل المحبوب ، واظهار العبودية له و اضيفت اليه ابيات رويت لابي نواس، ومن الصعب تحقيق نسبتها الى احدها . على ان في بعضها من النكتة والظرف ما يدفعنا الى ان نزده على شاعر الامين . كان ابوتمام عربياً في نزعته ينتمي الى طيء بالولاء على الارجح فافتخر بعروبته ، وافتخر بقومه . وذكر اجوادهم وفرسانهم ، وفيهم امثال حاتم وزيد الخيل - وكان شديد الاعجاب بشعره ، فافتخر به وفاخر الشعراء ، ونزل المشيب برأسه ، وهو في السابعة عشرة من عمره ، فجعل منه موضوعاً لفخره . كيف لا والشيب عنده عنوان الكمال .