صفحة:أدباء العرب في الأعصر العباسية.pdf/97

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

4.1 انكر على ابي تمام تأيده وغموضه ، وتعسفه في طلب البديع و الادلة العقلية وبعده عن الطبع . مع ان ابا تمام كان يحب الغريب مثله ، ويترسم البدو في اساليبهم ، غير انه افسد شعره بكثرة التصنع والابهام م وكان اذا قيل له : « لم تقول ما لا يفهم ؟ . قال : « لم لا تفهمون ما يقال. » وفي هذا الجواب من المكابرة ما يدل على اعتداد الشاعر بنفسه، وارتضائه بجميع ما تفيض به قريحته ، حتى انه ليبخل ببيت ظاهر عيبه فما يسقطه من قصيدته و كان يرد على لائمه بقوله : « انا والله اعلم منه مثلما تعلم ولكن مثل شعر الرجل عنده مثل اولاده . فيهم الجميل والقبيح والرشيد والساقط وكلهم حلو في نفسه ، فهر وان احب الفاضل لم يبغض الناقص . وان هوي بقاء المتقدم لم يهوموت المتأخر و اسراف ابي تمام في الصنعة والغريب ، وبخله بشعره ، من الاسباب التي كان لها الأولية في الاكثار من رديئه ، فاشتهر جيده لقلته . والجيد في شعره ما اجتمع فيه حسن اللفظ والمعنى ، فجاء آية في الابداع . لذلك كان البحتري يقول : « جيده احسن من جيدي ووسطي ورديشي خير من وسطه ورديئه . » ولو وفق ابوتمام التجميل ديباجته كما وفق في تصيد المعاني لما بلغ شأوه بالغ لانه أوتي من جودة القريحة وسعة الخيال، وتنبه الذهن ما يجعل منه شاعر الايجاري . ولو عمل بوصيته للبحتري اذ قال له : « وتقاض المعاني ، واحذر المجهول منها،واياك ان تشين شعرك بالالفاظ الزرية ، وكن كأنك خياط يقطع الثياب على مقادير الاجسام . »لوقى شعره سقطات عديدة ولكن جعل همته في الغوص على المعاني ولم يعن بتقويم الفاظه . فكان اذا لاح له المعنى اخرجه باي لفظ استوى من ضعيف او قوي ، لا يعنيه منه الا ان يدخل فيه طباقاً او جناساً،او استعارة او ارصاداً. فنتج عن ذلك ان سقط معظم معانيه فجاء بعده من اخذها عنه،و افرغها في قالب حسن فتسبت اليه . وعلى الجملة فان ابا تمام شاعر عبقري يجاري احياناً الطبقة الاولى من الشعراء المولدين ، ولكنه شاعر ضل طريقه فها يلبث أن يتقهقر فتنحط منزلته عن منزلة المبرزين منهم ، ولولا تعسفه وصنعته لا فضله مولد . وهو اول شاعر انكشفت له الحكمة اليونانية فاغترف من بحرهـا ، ومهد السبيل من بعده للمتنبي واضرابه .