صفحة:أعلام المهندسين في الإسلام (الطبعة الأولى).pdf/13

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ١١ -

ملكوا ناصية العلم كما ملكوا ناصية العالم1 وأحدثوا لهم مدنية خاصة صبغوها بصبغتهم ووســـــــوها بميسهم في كل مظهر من مظاهرها. وأبقوا لهم الأثر البين فيما نقلوه من علوم الأوائل إما بالتنقيح والتهذيب أو الزيادة والاختراع فكان للهندسة من هذا الأثر تجليها في فريع البناء بذلك الطراز العربي البديع الأخذ بالأنظار المشاهد فيا خلَّفوه من الآثار. وحدث في هذا الفرع من التفنن ما لم يكن معروفاً، كالبناء الحيري الذي أحدثه المتوكل العباسي في قصوره، فجمـــل تخطيطها على مثال تعبئة الجيوش، تشتمل على رواق فيه الصدر وهو مجلس الملك، وبها الكمان وهما الميمنة والميسرة لخواصه وخزائنه، فاشتهر واتبعه الناس فيه ولم يكونوا يعرفونه من قبل.2 وكآيات الصناعة المدهشة الباقية إلى اليوم في قصر الحمراء بغرناطة، وهو الذي شهد الإفرنج أنفسهم بأنه في هندسته ونقوشه مبتدع على غير مثال سابق وقد حفظت لنا التواريخ الكثير الطيب من وصف قصورهم الفخمة وصروحهم الشاهقة3 وما كان لهم فيها من إحكام الوضع وتشديد البنيان وتنميق الزخرف، كما حفظت لنـا طائفة صالحة من أعمالهم في غير هذا الفرع - كشق الأنهار وعقـد القناطر وإجراء الماء إلى المدن من المسافات الشاسعة، واتخاذهم له المصانع


  1. رأى الرشيد سحابة كان الناس يرجون أمطارها قلم تمطر فنظر إليها وقال: «أمطري حيث شئت والخراج لي) وهو عين ما نعبر عنه اليوم بقولنا: الشمس لا تغيب عن أملاك بعض الدول.
  2. انظر تفصيل ذلك في خلافة المتوكل من مروج الذهب للمسعودي.
  3. ذكر المقريزي في خططه: أن مساكن الفسطاط كانت على خمس طبقات وست وسبع. أما وصف القصور المشهورة لفرق بين هذه الخطط و«نفح الطيب»، و«معجم البلدان»، لياقوت وغيرها.