فجاءت لكمة على أسنانه فاختضبت لحيته بدمه وكان مع الوزير عشرة مماليك فلما رأوا نورالدين فعل بسيدهم هذه الافعال وضعوا أيديهم على مقابض سيوفهم وأرادوا أن يهجموا على نور الدين ويقطعونه واذا بالناس قالوا للمماليك هذا وزير وهذا ابن وزير وربما اصطلحا مع بعضهما وتكونون مبغوضين عند كل منهما وربما جاءت فيه ضربة فتموتون جميعا اقبح الموتات ومن الرأی أن لا تدخلوا بينهما فلما فرغ علی نور الدين من ضرب الوزير أخذ جاريته ومضى الى داره واما الوزير ابن ساوی فانه قام من ساعته وكان قماش ثيابه أبيض فصار ملونا بثلاثة ألوان الطين ولون الدم ولون الرماد فلما رأي نفسه على هذه الحالة أخذ برشا وجعله فی رقبته وأخذ في يده حزمتين من حلفه وسار الى ان وقف تحت القصر الذی فيه السلطان وصاح يا ملك الزمان مظلوم فاحضروه بين يديه فتامله فرآه وزيره المعين بن ساوی فقال له من فعل بك هذه الفعال فبكى وانتحب وأنشد هذين البيتين
ثم قال يا سيدی هكذا كل من يحبك ويخدمك تجری له هذه المشاق قال له ومن فعل بك هذه الفعال فقال الوزير اعلم انی خرجت اليوم الى سوق الجواری لعلی أشتري جارية طباخة فرأيت فی السوق جارية ما رأيت طول عمری مثلها فقال الدلال انها لعلی بن خاقان وكان مولانا السلطان أعطى اياه سابقا عشرة آلاف دينار ليشتري له بها جارية مليحة فاشترى تلك الجارية فاعجبته فاعطاها لولده فلما مات أبوه سلك طريق الاسراف حتي باع جميع ما عنده من الاملك والبساتين والاوانی فلما أفلس ولم يبق عنده شیء نزل بالجارية الى السوق على ان يبيعها ثم سلمها الى الدلال فنادى عليها وتزايدت فيها التجار حتى بلغ ثمنها اربعة آلاف دينار فقلت اشتري هذه لمولانا السلطان فان أصل ثمنها کان من عنده فقلت یا ولدی خذثمنها اربعة آلاف دینارفلما سمع كلامي نظر الی وقال يا شيخ النحس أبيعها لليهود والنصارى ولا ابيعها لك فقلت أنا ما اشتريتها لنفسی وانما اشتريتها لمولانا السلطان الذی هو ولی نعمتنا فلما سمع منی هذا الكلام اغتاظ وجذبنی ورمانی عن الجواد وانا شيخ كبير وضربنی ولم يزل يضربنی حتى تركني كما ترانی وانا ما أوقعنی فی هذا كله الا انی جئت لاشتری هذه الجارية لسعادتك ثم ان الوزير رمى نفسه على الارض وجعل يبكی ويرتعد فلما نظر السلطان حالته وسمع مقالته قام عرق الغضب بين عينيه ثم التفت الى من بحضرته من ارباب الدولة واذا باربعين من ضاربی سيف وقفوا بين يديه فقال لهم انزلوا فی هذه الساعة الي دار ابن خاقان وانهبوها واهدموها وائتونی به وبالجارية مكتفين واسحبوهما على وجوههما وائتوا بهما بين يدی فقالوا السمع والطاعة ثم انهم قصدوا المسير الي علی نور الدين وكان عند السلطان حاجب يقال له علم الدين سنجر وكان أولا من مماليك الفضل بن خاقان والد علی نور الدين فلما سمع امر السلطان ورأى الاعداء تهيئوا الى قتل ابن سيده لم يهن عليه ذلك فركب جواده وسار الي ان اتى بيت علی نور الدين فطرق