ورأوه خلفهم فغضب عجيب وخاف من الطواشی أن يخبر جده فامتزج بالغضب مخافة أن يقولوا أنه دخل دكان الطباخ وأن الطباخ منعه فالتفت حتى صار عيناه فی عين أبيه وقد بقی جسدا بلا روح ورأی عجيب عينه كانها عين خائن وربما كان ولد زنا فازداد غضبا فأخذ حجرا وضرب به والده فوقع الحجر فی جبينه فبطحه فوقع حسن بدرالدين مغشيا عليه وسال الدم على وجهه وسار عجيب هو والخادم الى الخيام وأما حسن بدرالدين فانه لما أفاق مسح دمه وقطع قطعة من عمامته وعصب بها رأسه ولام نفسه وقال أنا ظلمت الصبی حيث غلقت دكانی وتبعته حتى ظن أنی خائن ثم رجع الى الدكان واشتغل ببيع طعامه وصار مشتاقا الى والدته التی فی البصرة ويبكی عليها وأنشد هذين البيتين
ثم أن حسن بدر الدين استمر مشتغلا ببيع طعامه وأما الوزير عمه فانه اقام فی دمشق ثلاثة أيام ثم رحل متوجها الى حمص فدخلها ثم رحل عنها وصار يفتش فی طريقه اينما حل وجهه فی سيره الى أن وصل الى ماردين والموصل وديار بكر ولم يزل سائرا الى مدينة البصرة فدخلها فلما استقر به المنزل دخل الى سلطانها واجتمع به فاحترمه واكرم منزله وسأله عن سبب مجيئه فاخبره بقصته وان أخاه الوزير علی نور الدين فترحم عليه السلطان وقال أيها الصاحب انه كان وزيری وكنت أحبه كثيرا وقد مات من مدة خمسة عشر عاما وخلف ولدا وقد فقدناه ولم نطلع له على خبر غير أن امه عندنا لانها بنت وزيری الكبيرفلما سمع الوزير شمس الدين من الملك ان أم ابن أخيه طيبة فرح وقال يا ملك اني أريد أن اجتمع بها فاذن له فی الحال ثم أنه صار يمشی الى أن وصل الى قاعة زوجة أخيه أم حسن بدر الدين البصری وكانت فی مدة غيبة ولدها قد لزمت البكاء والنحيب بالليل والنهار فلما طالت عليها المدة عملت لولدها قبرا من الرخام فی وسط القاعة وصارت تبكی عليه ليلا ونهارا ولا تنام الا عند ذلك القبر فلما وصل الى مسكنها سمع حسها فوقف خلف الباب فسمعها تنشد فی القبر هذين البيتين
فبينما هی كذلك واذا بالوزير شمس الدين قد دخل عليها وسلم عليها واعلمها أنه أخو زوجها وثم أخبرها بما جرى وكشف لها عن القصة وان ابنها حسن بدر الدين بات عند ابنته ليلة كاملة ثم فقد عند الصباح وقال لها ان ابنتی حملت من ولدك وولدت ولدا وهو معی وانه ولدك وولد ولدك من ابنتی فلما سمعت خبر ولدها وأنه حی ورأت أخا زوجها قامت اليه ووقعت على قدميه وقبلتهما وأنشدته هذين البيتين