انتظره فغاب عنی شهرا ثم جاء وقال لی بعد هذا الیوم آخذها منك ثم ولی فقمت واحضرت له الدراهم وقعدت انتظره فغاب عنی شهرا فقلت فی نفسی ان هذا الشاب كامل السماحة ثم بعد الشهر جاء وعليه ثياب فاخرة فلما رأيته قبلت يديه ودعوت له وقلت له يا سيدی أما تقبض دراهمك فقال مهلا علی حتى افرغ من قضاء مصالحي واخذها منك ثم ولى فقلت فی نفسی والله اذا جاء لاضيفنه لكونی انتفعت بدراهمه وحصل لی منها مال كثير فلما كان آخر السنة جاء وعليه بدلة افخر من الاولى فحلفت عليه أن ينزل عندی ويضيفنی فقال بشرط ان ما تنفقه من مالی الذی عندك قلت نعم وأجلسته ونزلت فهيأت ما ينبغي من الاطعمة والاشربة وغير ذلك وأحضرته بين يديه وقلت له باسم الله فتقدم الى المائدة ومد يده الشمال واكل معي فتعجبت منه فلما فرغنا غسل يده وناولته ما يمسحها به وجلسنا للحديث فقلت يا سيدی فرج عنی كربة لای شیء أكلت بيدك الشمال لعل فی يدك اليمين شيئا يؤلمك فلما سمع كلامی أنشد هذين البتين
ثم أخرج يده من كمه واذا هی مقطوعة زندا بلا كف فتعجبت من ذلك فقال لی لا تعجب ولا تقل فی خاطرك انی أكلت معك بيدی الشمال عجبا ولكن لقطع يدی اليمين سبب من العجب فقلت وما سبب ذلك فقال اعلم انی من بغداد ووالدی من أكابرها فلما بلغت مبلغ الرجال سمعت السياحين والمسافرين والتجار يتحدثون بالديار المصرية فبقی ذلك فی خاطری حتی مات والدی فاخذت أموالا كثيرة وهيات متجرا من قماش بغدادی وموصلی ونحو ذلك من البضائع النفيسة وحزمت ذلك وسافرت من بغداد وكتب الله السلامة لی حتى دخلت مدينتكم هذه ثم بكى وأنشد هذه الابيات
فلما فرغ من شعره قال فدخلت مصر وانزلت القماش فی خان سرور وفككت أحمالي وأدخلتها وأعطيت الخادم دراهم ليشتری لنا بها شيئا نأكله ونمت قليلا فلما قمت ذهبت بين القصرين ثم رجعت وبت ليلتی فلما أصبحت فتحت رزمة القماش وقلت فی نفسی أقوم لاشق بعض الاسواق وانظر الحال فاخذت بعض القماش وحملته لبعض غلمانی وسرت حتى وصلت قيسرية جرجس فاستقبلنی السماسرة وكانوا علموا بمجيئی فاخذوا منی القماش ونادوا عليه فلم يبلغ ثمنه رأس ماله فقال لی شيخ الدلالين يا سيدی أنا أعرف لك شيئا تستفيد به وهو أن تعمل مثل ما یعمل التجار فتبيع متجرك الي مدة معلومة بكاتب وشاهد وصيرفی وتأخذ ما تحصل من ذلك في كل