فلما سمع أخوه كلامه قال له: أقسمتُ عليك بالله أن تخبرني بسبب رَدِّ لونك. فأعاد عليه جميع ما رآه، فقال شهريار لأخيه شاه زمان: مرادي أن أنظر بعيني. فقال له أخوه شاه زمان: اجعل أنك مسافر للصيد والقنص، واختفِ عندي، وأنت تشاهد ذلك وتحقِّقه عيانًا. فنادى الملك من ساعته بالسفر، فخرجت العساكر والخيام إلى ظاهر المدينة، وخرج الملك، ثم إنه جلس في الخيام، وقال لغلمانه: لا يدخل عليَّ أحدٌ. ثم إنه تنكَّرَ وخرج مختفيًا إلى القصر الذي فيه أخوه، وجلس في الشباك المطل على البستان ساعةً من الزمان، وإذا بالجواري وسيدتهن دخلن مع العبيد، وفعلوا كما قال أخوه، واستمروا كذلك إلى العصر، فلما رأى الملك شهريار ذلك الأمر طار عقله من رأسه، وقال لأخيه شاه زمان: قُمْ بنا نسافر إلى حال سبيلنا، وليس لنا حاجة بالمُلك حتى ننظر هل جرى لأحدٍ مثلنا أو لا؛ فيكون موتنا خيرًا من حياتنا. فأجابه لذلك، ثم إنهما خرجَا من باب سِرِّي في القصر، ولم يزالَا مسافرَيْن أيامًا وليالي إلى أن وصلَا إلى شجرة في وسط مرج عندها عين ماء بجانب البحر المالح، فشربَا من تلك العين، وجلسَا يستريحان، فلما كان بعد ساعة مضَتْ من النهار، وإذا هم بالبحر قد هاج، وطلع منه عمود أسود صاعد إلى السماء وهو قاصد تلك المرجة، قال: فلما رأَيَا ذلك خافَا، وطلعَا إلى أعلى الشجرة، وكانت عالية، وصارَا ينظران ماذا يكون، وإذا بجني طويل القامة عريض الهامة، واسع الصدر والقامة، على رأسه صندوق، فطلع إلى البر، وأتى الشجرةَ التي هما فوقها، وجلس تحتها، وفتح الصندوق، وأخرج منه علبة، ثم فتحها فخرجت منها صبيةً غَرَّاء بهيةً كأنها شمس مضيئة، كما قال الشاعر:
قال: فلما نظر إليها الجني، قال: يا سيدةَ الحرائر التي قد اختطفتُها ليلةَ عرسها، أريد أن أنام قليلًا. ثم إن الجني وضع رأسه على ركبتها ونام، فرفعت الصبية رأسها إلى أعلى الشجرة، فرأت الملِكَيْنِ وهما فوق تلك الشجرة، فرفعت رأس الجني من فوق ركبتها، ووضعته على الأرض، ووقفت تحت الشجرة، وقالت لهما بالإشارة: انزلا، ولا تخافَا من هذا العفريت. فقالَا لها: بالله عليك أن تسامحينا من هذا الأمر. فقالت لهما: بالله عليكما أن تنزلا، وإلا نبَّهْتُ عليكما العفريت فيقتلكما شرَّ قتلة. فخافَا ونزلَا إليها، فقامت لهما