صفحة:ألف ليلة وليلة (الجزء الأول).pdf/20

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
‫ألف ليلة وليلة (الجزء الأول)

ثم إنه جلس بجانبه وقال: واللهِ يا أخي لا أبرح من عندك حتى أنظر ما يجري لك مع ذلك العفريت. ثم إنه جلس عنده يتحدَّث معه، فغُشِي على ذلك التاجر، وحصل له الخوف والفزع، والغم الشديد والفكر المزيد، وصاحب الغزالة بجانبه، وإذا بشيخ ثانٍ قد أقبل عليهما، ومعه كلبتان سلاقيتان من الكلاب السود، فسألهما بعد السلام عليهما عن سبب جلوسهما في هذا المكان وهو مأوى الجن، فأخبراه بالقصة من أولها إلى آخِرها، فلم يستقرَّ به الجلوس حتى أقبل عليهم شيخٌ ثالث، ومعه بغلة زرزوريَّة، فسلَّمَ عليهم وسألهم عن سبب جلوسهم في هذا المكان، فأخبروه بالقصة من أولها إلى آخِرها وليس في الإعادة إفادة، وإذا بغبرة هاجت، وزوبعة عظيمة قد أقبلت من وسط تلك البرية، فانكشفتِ الغبرةُ؛ وإذا بذلك الجني وبيده سيف مسلول، وعيونه ترمي بالشرر، فأتاهم وجذب ذلك التاجر من بينهم، وقال له: قُمْ حتى أقتلك مثلما قتلتَ ولدي وحشاشةَ كبدي. فانتحب ذلك التاجر وبكى، وأعلن الثلاثة شيوخ بالبكاء والعويل والنحيب.

فانتبه منهم الشيخ الأول، وهو صاحب الغزالة، وقبَّل يد ذلك العفريت وقال له: أيها الجني وتاج ملوك الجان، إذا حكيتُ لك حكايتي مع هذه الغزالة، ورأيتها عجيبةً أتهب لي ثلُث دَمِ هذا التاجر؟ قال: نعم أيها الشيخ، إذا أنت حكيتَ لي الحكايةَ، ورأيتُها عجيبةً وهبتُ لك ثلثَ دمه. فقال ذلك الشيخ الأول: اعلم أيها العفريت أن هذه الغزالة هي بنت عمي، ومن لحمي ودمِي، وكنتُ تزوَّجتُ بها وهي صغيرة السن، وأقمت معها نحو ثلاثين سنة، فلم أُرْزَقْ منها بولدٍ، فأخذتُ لي سريةً، فرُزِقت منها بولدٍ ذكرٍ كأنه البدر؛ إذ بَدَا بعينين مليحتين، وحاجبين مُزَجَّجَيْنِ، وأعضاء كاملة، فكبر شيئًا فشيئًا إلى أن صار ابن خمس عشرة سنة، فطرأت لي سفرةٌ إلى بعض المدائن، فسافرتُ بمتجر عظيم، وكانت بنت عمي هذه الغزالة تعلَّمَتِ السحر والكهانة من صغرها، فسحرَتْ ذلك الولدَ عِجْلًا، وسحرَتِ الجاريةَ أمَّه بقرةً، وسلَّمتهما إلى الراعي، ثم جئتُ أنا بعد مدة طويلة من السفر، فسألتُ عن ولدي وعن أمه، فقالت لي: جاريتك ماتَتْ، وابنك هرب ولم أعلم أين راح. فجلستُ مدةَ سنة وأنا حزين القلب باكي العين إلى أن جاء عيد الضحية، فأرسلتُ إلى الراعي أن يخصني ببقرة سمينة، فجاءني ببقرة سمينة وهي سريتي التي سحرتها تلك الغزالة، فشمَّرْتُ ثيابي، وأخذت السكين بيدي وتهيَّأْتُ لذبحها، فصاحت وبكت بكاءً شديدًا، فقمت عنها وأمرت ذلك الراعي بذبحها وسلخها، فذبحها وسلخها فلم يجد فيها شحمًا ولا لحمًا غير جلد وعظم، فندمتُ على ذبحها حيث لا ينفعني الندم، وأعطيتها للراعي وقلتُ له: ائتني بعجل سمين. فأتاني بولدي المسحور عجلًا، فلما رآني ذلك العجل

٢٠