دينار، وجهزنا بضائع، واكترينا مركبًا، ونقلنا فيها حوائجنا، وسافرنا مدة شهر كامل إلى أن دخلنا مدينة، وبِعْنَا بضائعنا، فربحنا في الدينار عشرة دنانير، ثم أردنا السفر فوجدنا على شاطئ البحر جارية عليها خلق مقطع، فقبَّلت يديَّ وقالت: يا سيدي، هل عندك إحسان ومعروف أجازيك عليهما؟ قلت: نعم، إن عندي الإحسان والمعروف ولو لم تجازِني. فقالت: يا سيدي، تزوَّجني وخذني إلى بلادك، فإني قد وهبتك نفسي، فافعل معي معروفًا؛ لأني ممَّن يُصنَع معه المعروف والإحسان ويجازي عليهما، ولا يغرَّنَّك حالي.
فلما سمعت كلامها حن قلبي إليها لأمر يريده الله — عز وجل — فأخذتها وكسوتها، وفرشت لها في المركب فرشًا حسنًا، وأقبلت عليها وأكرمتها، ثم سافرنا، وقد أحبها قلبي محبة عظيمة، وصرت لا أفارقها ليلًا ولا نهارًا، واشتغلت بها عن أخويَّ، فغارَا مني وحسداني على مالي، وكثرة بضاعتي، وطمحت عيونهما في المال جميعه، وتحدَّثَا بقتلي وأخذ مالي، وقالَا: نقتل أخانا ويصير المال جميعه لنا. وزيَّنَ لهم الشيطان أعمالهما، فجاءاني وأنا نائم بجانب زوجتي، وحملاني أنا وزوجتي ورميانا في البحر، فلما استيقظَتْ زوجتي انتفضَتْ فصارت عفريتة، وحملتني وأطلعتني على جزيرة، وغابت عني قليلًا، وعادت إليَّ عند الصباح، وقالت لي: أنا زوجتك التي حملتك ونجَّيْتُك من القتل بإذن الله تعالى، واعلم أني جنية، رأيتك فحَبَّك قلبي لله، وأنا مؤمنة بالله ورسوله ﷺ، فجئتك بالحال الذي رأيتني فيه فتزوَّجْتَ بي، وها أنا قد نجَّيْتُك من الغرق، وقد غضبتُ على أخوَيْك، ولا بد أن أقتلهما. فلما سمعت حكايتها تعجَّبْتُ، وشكرتها على فعلها، وقلت لها: أما هلاك أخويَّ فلا ينبغي. ثم حكيت لها ما جرى لي معهما من أول الزمان إلى آخره، فلما سمعت كلامي قالت: أنا في هذه الليلة أطير إليهما وأُغرِق مراكبهما وأُهلِكهما. فقلت لها: باللهِ عليك لا تفعلي؛ فإن صاحب المثل يقول: يا محسنًا لمَن أساء، كفى المسيء فعله. وهم أخواي على كل حال. قالت: لا بد من قتلهما. فاستعطفتها، ثم إنها حملتني وطارت فوضعتني على سطح داري، ففتحت الأبواب، وأخرجت الذي خبَّأته تحت الأرض، وفتحت دكاني بعدما سلَّمْتُ على الناس، واشتريت بضائع، فلما كان الليل دخلتُ داري فوجدت هذين الكلبين مربوطين فيها، فلما رأياني قامَا إليَّ وبكيَا، وتعلَّقَا بي، فلم أشعر إلا وزوجتي قالت: هذان أخواكَ. فقلت: مَن فعل بهما هذا الفعل؟ قالت: أنا أرسلتُ إلى أختي ففعلت بهما ذلك، ولا يتخلصان إلا بعد عشر سنوات. فجئتُ وأنا سائر إليها تخلصهما بعد إقامتهما عشر سنوات في هذه الحال، فرأيت هذا الفتى فأخبرني بما جرى له، فأردتُ ألَّا أبرح حتى أنظر ما يجري بينك وبينه، وهذه قصتي. قال الجني: إنها حكاية عجيبة، وقد وهبتُ لك ثلث دمه في جنايته.