يا قَيِّمَ العفاريت زوال الستر عنك يا بعيد، لأي شيء تقتلني، وأي شيء يُوجِب قتلي، وقد خلصتك من القمقم، ونجيتك من قرار البحر، وطلَّعتك إلى البر؟ فقال العفريت: تَمَنَّ عليَّ أي موتة تموتها، وأي قتلة تُقتَلها؟ فقال الصياد: ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك؟ قال العفريت: اسمع حكايتي يا صياد. قال الصياد: قُلْ وأوجز في الكلام؛ فإن روحي وصلت إلى قدمي.
قال: اعلم أني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود أنا وصخر الجن، فأرسل لي وزيره آصف بن برخيا، فأتى بي مُكرهًا، وقادني إليه وأنا ذليل على رغم أنفي، وأوقفني بين يديه، فلما رآني سليمان استعاذ مني، وعرض عليَّ الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت، فطلب هذا القمقم وحبسني فيه، وختم عليَّ بالرصاص وطبعه بالاسم الأعظم، وأمر الجن فاحتملوني، وألقَوْنِي في وسط البحر، فأقمت مائة عام، وقلت في قلبي: كلُّ مَن خلَّصني أغنيته إلى الأبد. فمَرَّتْ مائة عام ولم يخلِّصني أحدٌ، ودخلَتْ عليَّ مائة أخرى، فقلت: كلُّ مَن خلَّصني فتحتُ له كنوزَ الأرض. فلم يخلِّصني أحدٌ، فمرَّ عليَّ أربعمائة عام أخرى، فقلت: كلُّ مَن خلَّصني أقضي له ثلاث حاجات. فلم يخلِّصني أحد؛ فغضبت غضبًا شديدًا، وقلت في نفسي: كلُّ مَن خلَّصني في هذه الساعة قتلته، ومنَّيته كيف يموت. وها أنت قد خلَّصتني، ومنَّيتك كيف تموت.
فلما سمع الصياد كلامَ العفريت قال: يا لله العجب، أنا ما جئتُ أخلِّصك إلا في هذه الأيام! ثم قال الصياد للعفريت: اعْفُ عن قتلي يَعْفُ الله عنك، ولا تهلكني يسلِّط اللهُ عليك مَن يُهلِكك. فقال المارد: لا بد من قتلك، فتمنَّ عليَّ موتة تموتها. فلما تحقَّقَ من ذلك الصيادُ، راجَعَ العفريت وقال: اعْفُ عني إكرامًا لما أعتقتك. فقال العفريت: وأنا ما أقتلك إلا لأجل ما خلصتني. فقال له الصياد: يا شيخ العفاريت، هل أصنع معك مليحًا فتقابلني بالقبيح؟ ولكن لم يكذب المثل حيث قال:
فلما سمع العفريت كلامه قال له: لا تطمع، فلا بد من موتك. فقال الصياد: هذا جنيٌّ وأنا إنسيٌّ، وقد أعطاني الله عقلًا كاملًا، وها أنا أدَبِّر أمرًا في هلاكه بحيلتي وعقلي، وهو يدبِّر بمكره وخبثه. ثم قال للعفريت: هل صمَّمْتَ على قتلي؟ قال: نعم. فقال له: بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان، أسألك عن شيء وتصدقني فيه. قال: نعم. ثم