صفحة:ألف ليلة وليلة (الجزء الأول).pdf/39

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
فلما كانت الليلة ٥

السماء وقال: يا مَن يجيب دعوةَ المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، انصرني على عدوي، واصرفه عني؛ إنك على ما تشاء قدير.

فلما سمعَتِ الغولة دعاءه انصرفت عنه وانصرف ابن الملك إلى أبيه، وحدَّثَه بحديث الوزير، وأنت أيها الملك متى آمنت لهذا الحكيم قتلك أقبح القتلات، وإن كنتَ أحسنتَ إليه وقرَّبته منك؛ فإنه يدبر في هلاكك، أَمَا ترى أنه أبرأك من المرض من ظاهر الجسد بشيء أمسكته بيدك، فلا تأمن أن يُهلِكَك بشيء تمسكه أيضًا. فقال الملك يونان: صدقتَ، فقد يكون كما ذكرتَ أيها الوزير الناصح، فلعل هذا الحكيم أتى جاسوسًا في طلب هلاكي، وإذا كان أبرأني بشيء أمسكتُه بيدي، فإنه يقدر أن يهلكني بشيء أشمه. ثم إن الملك يونان قال لوزيره: أيها الوزير، كيف العمل فيه؟ فقال له الوزير: أرسل إليه في هذا الوقت واطلبه، فإنْ حضر فاضرب عنقه؛ فتُكفَى شره وتستريح منه، واغدر به قبل أن يغدر بك. فقال الملك يونان: صدقتَ أيها الوزير. ثم إن الملك أرسل إلى الحكيم فحضر وهو فرحان، ولا يعلم ما قدَّرَه الرحمن، كما قال بعضهم في المعنى:

يَا خَائِفًا مِنْ دَهْرِهِ كُنْ آمِنًا
وَكِلِ الْأُمُورَ إِلَى الَّذِي بَسَطَ الثَّرَى
إِنَّ الْمُقَدَّرَ كَائِنٌ لَا يُنْمَحَى
وَلَكَ الْأَمَانُ مِنَ الَّذِي مَا قَدَّرَا

وأنشد الحكيم مخاطبًا للملك قولَ الشاعر:

إِذَا لَمْ أَقُمْ يَوْمًا لِحَقِّكَ بِالشُّكْرِ
فَقُلْ لِي لِمَنْ أَعْدَدْتُ نَظْمِي مَعَ النَّثْرِ
لَقَدْ جُدْتَ لِي قَبْلَ السُّؤَالِ بِأَنْعُمٍ
أَتَتْنِي بِلَا مَطْلٍ لَدَيْكَ وَلَا عُذْرِ
فَمَا لِيَ لَا أُعْطِي ثَنَاءَكَ حَقَّهُ
وَأَثْنِي عَلَى عُلْيَاكَ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ
سَأَشْكُرُ مَا أَوْلَيْتَنِي مِنْ صَنَائِعٍ
يَخِفُّ لَهَا فَمِّي وَإِنْ أَثْقَلَتْ ظَهْرِي

وأيضًا في المعنى:

كُنْ عَنْ هُمُومِكَ مُعْرِضًا
وَكِلِ الْأُمُورَ إِلَى القَضَا
وَابْشِرْ بِخَيْرٍ عَاجِلٍ
تَنْسَى بِهِ مَا قَدْ مَضَى
فَلَرُبَّ أَمْرٍ مُسْخِطٍ
لَكَ فِي عَوَاقِبِهِ رِضَى
اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَا
ءُ فَلَا تَكُنْ مُعْتَرِضَا
٣٩