صفحة:ألف ليلة وليلة (الجزء الأول).pdf/40

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
ألف ليلة وليلة (الجزء الأول)

وأيضًا في المعنى:

سَلِّمْ أُمُورَكَ لِلْحَكِيمِ الْعَالِمِ
وَأَرِحْ فُؤَادَكَ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا تَشَا
بَلْ مَا يَشَاءُ اللهُ أَحْكَمُ حَاكِمِ

وأيضًا في المعنى:

لَا تَبْتَئِسْ وَانْسَ الْهُمُومَ جَمِيعَهَا
إِنَّ الْهُمُومَ تُزِيلُ لُبَّ الْحَازِمِ
لَا يَنْفَعُ التَّدْبِيرُ عَبْدًا عَاجِزًا
فَاتْرُكْهُ تَسْلَمْ فِي نَعِيمٍ دَائِمٍ

فلما حضر الحكيم رويان قال له الملك: أتعلم لماذا أحضرتك؟ فقال الحكيم: لا يعلم الغيب إلا الله تعالى. فقال له الملك: أحضرتك لأقتلك وأعدمك روحك. فتعجَّبَ الحكيمُ رويان من تلك المقالة غاية العجب، وقال: أيها الملك، لماذا تقتلني؟ وأي ذنب بَدَا مني؟ فقال له الملك: قد قيل لي إنك جاسوس، وقد أتيتَ لتقتلني، وها أنا أقتلك قبل أن تقتلني. ثم إن الملك صاح على السياف وقال له: اضرب رقبة هذا الغدار، وأَرِحْنا من شرِّه. فقال الحكيم: أَبْقِني يُبْقِيك الله، ولا تقتلني يقتلك الله. ثم إنه كرَّرَ عليه القول مثل ما قلت لك أيها العفريت، وأنت لا تدعني، بل تريد قتلي. فقال الملك يونان للحكيم رويان: إني لا آمن إلا إن قتلتك، فإنك أبرأتني بشيء أمسكته بيدي، فلا آمن أن تقتلني بشيء أشمه، أو غير ذلك. فقال الحكيم: أيها الملك، أهذا جزائي منك، تقابل المليح بالقبيح؟! فقال الملك: لا بد من قتلك من غير مهلة. فلما تحقَّقَ الحكيم أن الملك قاتِلُه ولا محالةَ، بكى وتأسَّفَ على ما صنع من الجميل مع غير أهله، كما قيل في المعنى:

مَيْمُونَةُ مِنْ سِمَاتِ الْعَقْلِ عَارِيَةٌ
لَكِنْ أَبُوهَا مِنَ الْأَلْبَابِ قَدْ خُلِقَ
لَمْ يَمْشِ فِي يَابِسٍ يَوْمًا وَلَا وَحَلٍ
إِلَّا بِنُورٍ هَدَاهُ يَتَّقِي الزَّلَقَ

وبعد ذلك تقدَّم السيَّافُ، وغمَّى عينَيْه، وشهر سيفه، وقال: ائذَنْ. والحكيم يبكي، ويقول للملك: أبقني يُبْقِك الله، ولا تقتلني يقتلك الله. وأنشد قول الشاعر:

نَصَحْتُ فَلَمْ أُفْلِحْ وَغَشُّوا فَأَفْلَحُوا
فَأَوْقَعَنِي نُصْحِي بِدَارِ هَوَانِ
فَإِنْ عِشْتُ لَمْ أَنْصَحْ وَإِنْ مِتُّ فَانْعِ لِي
ذَوِي النُّصْحِ مِنْ بَعْدِي بِكُلِّ لِسَانِ
٤٠