صفحة:ألف ليلة وليلة (الجزء الأول).pdf/50

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
ألف ليلة وليلة (الجزء الأول)

ففرح به الملك وسلَّمَ عليه، والصبي جالس، وعليه قباء حرير بطراز من ذهب، لكن عليه أثر الحزن، فردَّ السلام على الملك، وقال له: يا سيدي، اعذرني في عدم القيام. فقال الملك: أيها الشاب، أخبرني عن هذه البِركة، وعن سمكها الملون، وعن هذا القصر، وسبب وحدتك فيه، وما سبب بكائك؟ فلما سمع الشاب هذا الكلام، نزلت دموعه على خده وبكى بكاءً شديدًا؛ فتعجَّبَ الملك وقال له: ما يُبكِيك أيها الشاب؟ فقال: كيف لا أبكي وهذه حالتي؟ ومدَّ يده إلى أذياله فرفعها، فإذا نصفه التحتاني إلى قدمَيْه حجر، ومن سُرَّتِهِ إلى شعر رأسه بَشَر، ثم قال الشاب: اعلم أيها الملك أنَّ لهذا السمك أمرًا عجيبًا، لو كُتِب بالإبر على آماق البصر لَكان عِبْرَةً لمَن اعتبر؛ وذلك يا سيدي أنه كان والدي ملك هذه المدينة، وكان اسمه محمود صاحب الجزائر السود، وصاحب هذه الجبال الأربعة، أقام في المُلك سبعين عامًا، ثم تُوُفِّيَ والدي وتسلطنتُ بعده، وتزوَّجْتُ بابنة عمي، وكانت تحبني محبة عظيمة بحيث إذا غبت عنها لا تأكل ولا تشرب حتى تراني، فمكثَتْ في عصمتي خمسَ سنين إلى أن ذهبتُ يومًا من الأيام إلى الحمَّام، فأمرت الطباخ أن يجهز لنا طعامًا لأجل العشاء، ثم دخلت هذا القصر ونمت في الموضع الذي أنام فيه، وأمرتُ جاريتَيْن أن يروِّحَا على وجهي، فجلسَتْ واحدة عند رأسي، والأخرى عند رجلي، وقد قلقت لغيابها ولم يأخذني نوم، غير أن عيني مغمضة ونفسي يقظانة، فسمعت التي عند رأسي تقول للتي عند رجلي: يا مسعودة، إن سيدنا مسكين شبابه، ويا خسارته مع سيدتنا الخبيثة الخاطئة. فقالت الأخرى: لعن الله النساء الزانيات، ولكن مثل سيدنا وأخلاقه لا يصلح لهذه الزانية التي كل ليلة تبيت في غير فراشه. فقالت التي عند رأسي: إن سيدنا مغفَّل؛ حيث لم يسأل عنها. فقالت الأخرى: ويلك، وهل عند سيدنا عِلْم بحالها، أو هي تخليه باختياره؟! بل تعمل له عملًا في قدح الشراب الذي يشربه كلَّ ليلة قبل المنام، فتضع فيه البنج فينام، ولم يشعر بما يجري، ولم يعلم أين تذهب، ولا بما تصنع؛ لأنها بعدما تسقيه الشرابَ تلبس ثيابها وتخرج من عنده فتغيب إلى الفجر، وتأتي إليه وتبخره عند أنفه بشيء فيستيقظ من منامه.

فلما سمعتُ كلامَ الجواري صار الضياء في وجهي ظلامًا، وما صدَّقتُ أن الليل أقبَلَ، وجاءت بنت عمي من الحمام، فمددنا السماط وأكلنا، وجلسنا ساعة زمانية نتنادم كالعادة، ثم دعوت بالشراب الذي أشربه عند المنام، فناولتني الكأس فتراوغت عنه، وجعلت أني أشربه مثل عادتي، ودلقته في عبي، ورقدت في الوقت والساعة، وإذا بها قالت: نَمْ ليتك لم تَقُمْ، واللهِ كرهتك وكرهت صورتك، وملَّتْ نفسي من عشرتك. ثم قامت ولبست

٥٠