صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/10

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–١٠–

عددهم کعدد أنصار المعابد السالفة، فقد أخذ المعقتد الاشتراكي أو المعتقد الفوضوي يقوم مقام المعتقد الديني الهرم دون أن يكون بين الطرفين فرق من حيث القهر والتجبر . والحانة مع كونها تحل مكان الكنيسة في الغالب إلا أن مصدر ما يسمع فيها من مواعظ يأتي بها الزعماء هو الإيمان أيضا .

واذا كانت نفسية المؤمنين لم تتطور ولو قليلاً منذ القديم - حيث كانت إسيس وحاتحور تجذبان الى معابدهما على ضفتي النيل الوفا من الحجاج المتحمسين – فذلك لأن المشاعر التي هي اسس النفس الحقيقية حافظت على ثباتها ورسوخها في غضون الأجيال، فالذكاء يتقدم وأما المشاعر فلا تتبدل، لا ريب في أن الايمان بمعتقد لا يكون على العموم إلا وهماً، ولكننا لا نأسف على ذلك، لأن الخيال يصبح بفضل الأمان أقوى من الموجود حقيقة، ومتى تعتنق أمة معتقداً فان هذا المعتقد ينعم عليها بتجانس فكری هو سر وحدتها وقوتها .

وبما أن دائرة المعرفة تختلف عن دائرة المعتقد اختلافاً كبيراً فمن العبث أن نقيس الأولى بالثانية كما يفعل اكثر العلماء، على أن العالم مع تخلصه بالتدريج من ربقة المعتقد فانه لا يزال مشبعاً منه و ينقاد اليه في جميع المواضيع التي لم تًعلم جيداً كدقائق الحياة وأصل الأنواع مثلاً، فما قيل في هذه المواضيع من النظريات هو عقائد ليست على شيء من الاعتبار إلا بعزوها إلى الأساتذة الذين وضعوها .

ولا تطبق سنن المعتقد النفسية على العقائد الكبيرة الأساسية - التي وسمت لحمة التاريخ بوسم ثابت لا يُطمس - فقط بل تطبق أيضاً على اكثر آرائنا اليومية المؤقتة فيما يحيط بنا من موجودات واشياء، فالمشاهدة تدل على أن اكثر هذه الآراء ترتكز على عناصر عاطفية أو دينية مصدرها اللاشعور، واذا كان الناس يجادلون في أمرها بحماسة فذلك لأنها من فصيلة المعتقد ولأنها تتكون مثله.

اذاً من الخطإِ أن يظن الانسان أنه يخرج من دائرة المعتقد عند ما يعدل عن عقائد انتقلت إليه ورائة، وسوف نرى أنه كلما حاول أن يتخلص منها غاص فيها اكثر من ذي قبل.

ولما كان ما ينشأ عن تكوين الآراء والمعتقدات من مسائل هو من جنس واحد