صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/17

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
– ۱۷ –

الذي يتنفس للتلذذ بالتنفس ؟ » فاقامة الحجة على هذه الصورة أمر غير صحيح، فلانسان لا يتنفس للتلذذ بالتنفس، وانما يتنفس درأ للألم التاشيء من قطع النَّفَس، وكذلك فانه لا يعبس للتلذذ بالعبوس، وانما يعبس عند كدره الذي هو من أنواع الألم

۲ – صفات اللذة و الالم المتقطعة

لا استمرار في اللذة والألم، فمن طبيعتهما الوهن السريع، ولا يحـــدثان الا الا ليكونا غير مُطْبِقين، فإذا استمرت اللذة فلا تبقى لذة، وينقص الألم إذا اتصل ولم ينقطع، وقد يصير نقصان الألم لذة.

وعليه فاللذة ليست لذة الا اذا لم تتصل، ولا تكون اللذة معروفة الا اذا قيست بالألم، وقول بعضهم وجود لذة أبدية كلام خال من كل معنى كما ذكر افلاطون، فالآلهة على رأی افلاطون لا تعرف الألم، ولذلك فانها لا تشعر باللذة.

وتقطع اللذة والألم هو نتيجة ناموس عضوی قاض يجعل التبدل أساس الاحساس، فنحن لا نشعر بالأحوال اذا اتصلت، ولكننا نشعر بالفروق بين الأحوال التي تقع في آن واحد أو التي تقع متوالية مترادفة، فطقطقة الساعة مهما تعلُ لا تلبث أن لا تُسمع، والطحان لا يفيق من جعجعة رحاه بل من انقطاعها، ولهذا السبب فان اللذة بامتدادها تصبح غير لازمة مالم تنقطع، وسرعان ما يصير نعيم الفردوس الذي يحلم به المؤمنون غیر جاذب اذا لم يتنقلوا مناوبة من النار الى الجنة ومن الجنة الى النار.

واللذة أمر نسبي تابع للأحوال، أي أن الم اليوم قد يصبح لذة في الغد والعكس بالعكس، فيصير ألم الرجل الذي أكره على أكل كسرات خبز يابسة بعد أن تغذی غذاء وافرا لذة اذا ترك أياماً في جزيرة جرداء على أن يأكل من تلك الكسرات.

وقد أصاب المثل العامى القائل إلى الانسان يتمتع باللذة التي تروقه حيث يجدها، فلذة العامل الذي يشرب صاخباً في الخانة تخاف من لذة المتفنن والعالم والمخترع والشاعر – وقتها يجدّون في أعمالهم – اختلافا كبيراً، ولاريب في أن اللذة التي حصلت لنيوطن من اكتشافه سنن الجاذبية هي أعظم من اللذة التي تحصل له لو انتقلت اليه نساء كثيرات من نساء الملك سليمان.

(۲) – الآراء