صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/22

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٢٢–

مغنين فانه يقتضى ايصالها الي ألف ضعف، وبتطبيقنا هذه الافكار على اللذة والألم ترى أنه لا بد من زيادة المحرض کثيرا لزيادتهما قليلاً

لا ريب في أن الارقام المذكورة غير مطلقة، وانما غرضنا من جميع ذلك أن نثبت أن الشعور باللذة والألم يتراوح بين حدين محدودين، وكيف يكون الأمر خلاف ذاك ؟ قد تعاني الأعضاء بالتدريج كل تطور ولكنها عاجزة عن احتمال أي تحول فجائي لاشتمالها على عوامل ناظمة تقيها من مثل ذلك، فحرارة الجسم في حال الصحة لا تتقلب اكثر من بضعة أعشار الدرجة مهما يشتد الحر أو البرد في العالم الخارجي ولا يشاهد نقص الحرارة وزيادتها درجتين أو ثلاث درجات بالنسبة الى درجة حال الصحة الا في الأمراض الشديدة المهلكة، ففي كل وجود حد للتوازن لا يُبتعد منه.

و بهذه المناسبة نذكر وجود ناموس آخر يدعى « ناموس عدم تجمع المشاعر »، فلهذا الناموس – مع إغفال أمره في الغالب – شأن كبير في حياتنا الشاعرة، نعلم أن بعض الأشياء كصفيحة الفوطوغراف مثلا لها مزية تكويم ما يقرعها من المؤثرات الصغيرة المتتابعة، وينشأ عن تجمع هذه المؤثرات الصغيرة المكررة تكريراً كافياً على مر الأيام نتيجة كالتي تصدر عن مؤثر قوى قصير الأجل، على هذه الصورة تستطيع صفيحة الفوطوغراف أن ترسم نجوماً لا تقدر العين المجردة على رؤيتها نظراً لأن شبكة العين لا تحتوى خاصة تكديس المؤثرات الصغيرة، وما قيل عن العين يقال مثله عن باقي الحواس من حيث عدم قدرتها على تكويم المؤثرات، اللهم اذا استنينا بضعة شواذ

وتقريباً للذهن نقول : أنه إذا هلك ثلاثمئة شخص في حادثة قطار فان حزناً شديداً يملأ قلوبنا، وتفعم الصحن أعمدتها بتفصيل الواقعة، و يتبادل الملوك برقيات التعزية، وأما اذا فرضنا أن هلاك هؤلاء تم بفعل سلسلة من الحوادث الصغيرة وقعت في بحر السنة فان ما ينتابنا من الكدر قايل الى الغاية، ذلك لان حواسنا لم تجمع كل آثر صغير أوجبته تلك السلسلة.

فلنفرح لكون الأمر على هذا الوجه، فلو بُني الوجود على شكل مستعد لتكديس الآلام لكانت الحياة شيئاً ثقيلاً لا يطاق