صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/34

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٣٤–

ومما يتعذر علينا في الوقت الحاضر هو أن نبين كيف ينقلب تطور خليات الاعضاء تطوراً كيماوياً الى مشاعر.

وقد تختلف المشاعر والانفعالات باختلاف ما يطرأ على الاعضاء من أحوال صادرة عن بعض المهيجات كشرب القهوة والمسكرات الخ

وأبسط المشاعر هو كثير التعقيد بالحقيقة، ولكن عندما نعجز عن تحليله نصفه بالبسيط تقريباً للذهن، فنحن في ذلك كالكيماوي الذي يعتبر بعض الاجسام بسيطة حين لا يقدر على تحليليا.

ويبحث علماء النفس أحياناً عن المشاعر الذهنية، فقد قال (ريبو) ان هذا التعبير « يدل على أحوال عاطفية طيبة أو ذات لثوب هي من عمل الذكاء »، إني لا أرضى بهذه النظرية التي لا تفرق بين العلة و معلولها، فأحد المشاعر و إن جاز أن يحدث بتأثير طعام شهي إلا أنه يبقى من نوع المشاعر على الدوام.

ومتى زادت المشاعر قوة واستعصت تصبح حرصا كما بينا ذلك آنفًا، ولم يستطع علماء النفس أن يُعَرّفوا المشاعر و يصنفوها، فقد قسمها ( سبینوزا ) إلى الرغبة والفرح والحزن واستخرج من هذه الأقسام بقية المشاعر، وأما ( دیكارت ) فقد قال بوجود ستة أنواع أصلية هي العجب والحب والحقد والرغبة والفرح والحزن، فهذه التقسيمات إن هي إلا أوضاع لغوية لا توضح شيئا ولا تقف أمام سلطان النقد.

قد يتكون الحرص كالصاعقة فجأة وقد يتكون على مهل، وعندما يتم نشوءه يستولى على الذهن أو العاطفة دون أن يكون للعقل الذي يخضع لحكمه تأثير فيه، والحرص الكبير بندر وقوعه، فلما كان الحرص الذي يقع في الغالب موقتا فانه لا يلبث أن يزول بعد أن ينال صاحبه مبتغاه، وهذه قاعدة ثابتة في مسائل الحب، فلابطال الحب الشديد هم على الأكثر أناس تحول الاحوال دون التقائهم كثيرا، والحرص الذي يستمر زمنا طويلا هو الذي يضطرم على الدوام الاحقاد السياسية مثلا، و يغيب الحرص في أغلب الأوقات منطفئا وفي أقليا متبدلا، وحينئذ تتحول الآراء التي كانت سبب ظهوره، قال ريبو: « قد ينقلب حب الانسان من حب بشری إلى حب الهي وقد يتحول التعصب الديني الى تعصب سیاسی و اجتماعي والعكس