صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/35

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٣٥–

بالعكس، مثال ذلك ( ايغناس دولوايولا ) الذي عدل عن خدمة أحد الملوك إلى خلية المسيح مؤسسا طريقة اليسوعيين »

والعقل لا يؤثر في الحرص الا بعد أن يطرأ على الحرص ضعف ، وأما تأثيره فيكون بتسليطه أحد المشاعر على الآخر ، وما يقع وقتئذ من عراك فبين المشاعر لا بين المشاعر والعقل .

٣ – ذاكرة المشاعر

للمشاعر ذاكرة كذاكرة العقل وان كانت أدنى منها كثيراًً، فهي لا تلبث أن تهن بفعل الزمان، وأما ذاكرة العقل فهي على جانب عظيم من الثبات عندما يستعان بها حتى أن آثاراً كبيرة ككتب الهندوس المقدسة المسماة (فيدا) وأغاني (هوميروس) انتقلت الينا جيلاً بعد جيل عن طريق ذاكرة العقل ، وقد كان طلاب العلم في القرن الثالث عشر - حيث كانت الكتب نادرة ثمينة - يحفظون عن ظهر القلب ما يملى عليهم من الدروس . قال ( اتكينسون ): « إن كتب الصين التقليدية لو محقت في هذه الايام لاستطاع أكثر من مليون صيني أن يجمعوها بفضل ذاكرتهم »

ولو كانت ذاكرة المشاعر کذاكرة العقل ثباتاً لجعل ما نحفظه من آلام حياتنا لا تُطاق، غير أنه يعترض على عدم رسوخ ذاكرة المشاعر بدوام احقاد الطبقات والشعوب دواماً مستمراً مع تعاقب السنين، نجيب عن هذا الاعتراض قائلين إن ذلك الاستمرار الظاهري لم ينشأ الا عن علل واحدة تكررت تكراراً متصلاً. حقاً إن الحقد اذا لم يُنَبَّه لا يدوم أبداً، فلولا الصحف الألمانية التي كانت توقد نار الحقد في قلوب الألمان ضد الإفرنسيين إيقاداً غير منقطع لزال ذلك الحقد ، واذا بقى الكره يغلي في صدور الهولنديين للانكليز الذين سلبوهم في الماضي مستعمراتهم فذلك لأن حوادث كثيرة كحرب الترنسفال أحيت ذلك الكره ولأن هولندا تعتقد على الدوام أن انكلترا تهددها ، وتثبت المحالفة الروسية والائتلاف الفرنسوی الانكليزي كيف أن شعوباً متعادية في الماضي لا تلبث أن تنسى أحقادها اذا لم