صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/37

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٣٧–

الفصل الخامس

عناصر الذات، امتزاج المشاعر التى يتألف الخلق منها


١ – عناصر الخلق

يتألف الخلق من تكتل عناصر عاطفية ينضم اليها بضعة عناصر عملية تمتزج بالأولى قليلاً جداً، فمن العناصر العاطفية تشتق شخصية الإنسان الحقيقية، و بما أن هذه العناصر كثيرة الى الغاية فانه ينشأ اشتراکها اخـــلاق متنوعة أي أخلاق نشيطة وأخلاق متبصرة وأخلاق جامدة وأخلاق حساسة إلخ، وكل من هذه الأخلاق يعمل عمله المختلف بتأثير المحرّضات الواحدة.

وقد يكون الملاط بين عناصر الخلق وثيقاً وقد يكون واهناً، فمن العناصر ذات الملاط المتين تتألف شخصیات قوية تظل ثابتة على رغم تغير البيئة والأحوال، ومن العناصر ذات الملاط الضعيف تتألف شخصيات رخوة مذبذبة متقلية تتبدل بتأثير أخف المؤثرات إذا لم تعين مقتضيات الحياة اليومية وجهتها كما تعين ضفتا النهر مجراه، غير أن الخلق مهما يكن ثابتاً فإنه يبقى مربوطاً بأحوالنا العضوية، فالألم العصبي أو الرثّيَة أو المغص بحول الفرح الى غم والصلاح الى خبث والعزم إلى خنث، ولذلك لم يكن نابليونُ المريضُ في ( واترلو ) نابليون المعهود، ولو كان ( بولیوس قیصر ) ذا تخمة لما عبر نهر ( الروبیكون )، وكذلك العوامل الأدبية فانها تؤثر في الخلق أو تعين وجهته على الأقل، فمتى يعتنق المرء ايماناً فان حبه للدنيا ينقلب الى حب الله، وقد يصح الكاهن المتعصب العالم ملحداً ولكنه يصير مؤذياً متعصباً لالحاده.

لقد بينت أن الخلق والعقل ليسا متآزيين في نموهما، فعلى نسبة ميل الخالق الى الوهن ينمو العقل، فالذى أوجب تداعی مدنیات عظيمة هو شدة العزم في الشعوب ذات العقل الصغير، إذ إن أرباب النفوس ذات الحزم والاقدام لا تقف أمام