صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/49

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٤٩–

الأمور تجري كما لو كان «الأثير» موجودًا، فلولا الزعم بوجود «الأثير» لاستحال تفسير الحادثات. ونحن كذلك، فإننا لا نجزم بوجود أنواع منطقية ذات كينونات منفصلة، ولكننا نقول إن الحوادث تجري كأن هذه الكينونات موجودة في الحقيقة.


الفصل الثاني

منطق الحياة


١ – شأن منطق الحياة

أبسط حوادث الحياة في الظاهر، كالتي تُشاهَد في الخلية الواحدة، هي على جانب كبير من التعقيد، فلمظاهر هذه الحوادث ارتباط وثيق يشبه ارتباط العناصر العقلية الذي نسميه المنطق، ولذلك ليس ما يمنعنا من إطلاق اسم المنطق عليها أيضًا.

ويسيطر منطق الحياة على جميع الحوادث الجثمانية، فما تأتي به خليات الجسم من أفعال لم يكن آليًّا ويتحول بحسب مقتضيات الزمن، فكأن هذه الأفعال مقودة من عقل خاص يختلف عن عقلنا اختلافًا كليًّا. ولإثبات ذلك نكتفي بنقل هذه العبارات التي جاءت في كتابي المسمى «تطور المادة»، وإليكها:

«تأتي البُنَى الذَّرِّيَّة التي تصنع الخليات بأعمال نطاسية لا نقدر على الإتيان بمثلها، بل ولا بمثل ما هو دونها في مختبراتنا، فهي تقدر على تحليل أمتن الأجسام وأصلبها كالكلورور دوسوديوم، واستخراج الأزوت من الأملاح الأمونياكية، والفوسفور من الفوسفات إلخ، تدير هذه الأفعال الغريبة المتجهة نحو أحد المقاصد قوى مجهولة تسير كأنها ذات ذكاء أرفع من ذكائنا، وما تنجزه القوى المذكورة في أدوار الحياة من عمل أسنى جدًّا مما يقدر أرقى العلوم على فعله، وسيعتبر العالم الذي يستطيع

(٤) – الآراء