صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/53

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–٥٣–

على أمهر العلماء وأكثرهم براعةً أن يفعل مثلها، ولذلك قال مستنتجًا: «إن الحشرة بصحوها تلقي العجب والدهش فينا.»

ومثل هذه الحوادث العديدة التي شاهدها العالم (غاستون بونيه) أحد أعضاء المجمع العلمي في النمل والنحل جعله يسند إلى الحشرات صفة سماها «إدراك الجمع» فقد أبان أن النحل تطيع أوامر «لجنة القفير المدبرة»، وتتغير هذه الأوامر حسب معلومات الباحثين عن طبائع النحل الذين يرودون كل صباح الضواحي والأرباض، ومتى تغادر النحلة القفير فإنها تنفذ الأمر تمامًا، فإذا أرسلتها اللجنة تفقد الماء في حوض وكان يُرش على جانب هذا الحوض شراب أو عسل هدرًا فإن النحلة لا تلتفت إلى ذلك الشراب أو العسل، والنحل الذي فُوِّض إليه أمر اجتناء رب النبات لا يعبأ بالطلع واللقاح إلخ.

وكيان هذه الحشرات الصغيرة الاجتماعي منظم إلى الغاية، قال المؤلف المذكور: «مثل القفير في نظامه كمثل نظام الاشتراكية الحكومية المسوية حيث لا حب، ولا إخلاص، ولا رحمة، ولا إحسان؛ فكل واحد مرغم على الرزوح تحت أثقال العمل المتواصل في سبيل المجتمع.»

تلقي تلك الحوادث التي كثرت مشاهدتها بلبلة في أنصار علم النفس العقلي القديم؛ لأن الحوادث المذكورة وإن كانت توضح سابقًا بكلمة الغريزة إلا أن التحقيق أثبت أنه ينطوي تحت هذا اللفظ المبتذل سلسلة من الحوادث المجهولة جهلًا تامًّا، كانت الغريزة تعتبر فيما مضى صفة ثابتة أنعمت بها الطبيعة على الحيوانات يوم تكوينها كي تسيِّرها في أدوار الحياة كما يقود الراعي قطيعه، وقد عدَّ (ديكارت) الحيوانات آلات متحركة، فعلى ما في حركة هذه الآلات من أمر غريب عجيب بدت له كشيء بسيط جدًّا.

ولكن لما تعمق العلماء في مباحثهم اعترفوا بتحول الغرائز التي كان يُظن أنها ثابتة لا تتحول. خذ النحل مثلًا تَرَ أنه يقدر على تغيير قفيره عندما تدفعه الضرورة إلى ذلك، وقد جاء في مذكرة للمسيو (روبو) عرضها سنة ١٩٠٨ على مجمع العلوم وبحث فيها عن تقدم الغريزة في زنابير أفريقيا «أن ما بين أنواع تلك الزنابير من