صفحة:الأجنحة المتكسرة (1912) - جبران خليل جبران.pdf/64

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٥٨-

نعيمًا والعمر حلمًا جميلًا. فكنت أسيرُ صباحًا في الحقول وأرى في يقظة الطبيعة رمز الخلود، وأجلس على شاطئ البحر وأسمع من أمواجه أغاني الأبدية، وأمشي في شوارع المدينة وأجد في طلعات العابرين وحركات المشتغلين محاسن الحياة وبهجة العمران.

تلك الأيام مضت كالأشباح واضمحلّت كالضباب، ولم يبقَ لي منها سوى الذكرى الأليمة؛ فالعين التي كنت أرى بها جمال الربيع ويقظة الحقول لم تعد تحدِّق إلى غير غضب العواصف ويأس الشتاء. والأذن التي كنت أسمع بها أغنية الأمواج لم تَعُدْ تصغي لغير أنَّة الأعماق وعويل الهاوية. والنفس التي كانت تقف متهيِّبة أمام نشاط البشر ومجد العمران لم تعد تشعر بغير شقاء الفقراء وتعاسة الساقطين. فما أحلى أيام الحب وما أعذب أحلامها! وما أمرَّ ليالي الحزن وما أكثر مخاوفها