صفحة:الأسلوب العلمي والتأريخ.pdf/4

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٦٦
أسد رستم

على أساس تواريخها ضروري في غالب الأحيان. وذلك لأنه يوضح له تسلسل الرواية والحوادث المروية، ولأنه يقيه شر تقديم المسببات على أسبابها. وحيث ترد بعض الأصول مجهولة التاريخ، عليه أن يسعى سعياً حثيثاً لتأريخها، كي يتمكن من ترتيبها بموجب تواريخها.

ولا يتبادر إلى ذهن القارئ أنه لا يجوز ترتيب النصوص على أساس الأمكنة التي وجدت فيها، أو المواضيع التي تحتوي عليها. بل بالعكس، فإنه من المستحسن أن يتفنن المؤرخ في الأسس التي يتخذها للتصنيف والتنسيق، سواء أكانت زمنية أم جغرافية أم غير ذلك. فإذا ما عالج المؤرخ درس موضوعه من مثل هذه النواحي المختلفة، برزت له الحقيقة التي يتوخاها بوضوح وجلاء، قد لا يصل إليهما، إذا اكتفى باتباع أساس واحد للتنسيق.

وقـد يضطر المؤرخ أحياناً إلى إهمال التنسيق على أساس زمن النصوص لاستحالة معرفة تواريخها. فيكتفي، والحالة هذه، بما تبقى لديه من سائر الأسس. ولنا في اختبار علماء أوربة، ولا سيما العلامة الكبير تيودور مومسن في مجموعة النقوش اللاتينية (Corpus Inscriptionum Latinarum)، مثال واضح يؤيد ما تقدم. فإن معظم هذه النقوش غير مؤرَّخ. وقد اختلف العلماء، عشرات من السنين، في أمر تنسيقها وترتيبها، فقال البعض بتصنيفها على أساس محتوياتها وقسموها إلى نقوش دينية، ونقوش عسكرية، ونقوش أدبية شعرية. واعترض آخرون على هذا التنسيق وقالوا باتخاذ المكان الذي وجدت فيه النقوش أساساً للترتيب. وذلك لأن تنسيقها على أساس محتوياتها قد يضطر المؤرخ إلى التكرار الممل. إذ أنه معقول جداً أن يحتوي نقش ما على شعر ودين وحرب في آنٍ واحد. وبعد اختبار طويل دام قرناً كاملاً، أو أكثر، اجمعت الآراء على أفضلية الترتيب الجغرافي. وبعد أن قال العلامة مومسن، مدة طويلة، بالتنسيق على أساس المحتويات، عاد فأيد الأساس الجغرافي. وظهرت المجموعة كاملةً على هذا الأساس