صفحة:الأسلوب العلمي والتأريخ.pdf/7

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٦٩
الأسلوب العلمي والتأريخ

والاعتراض، والالتفات، والاقتباس، والتلميح، واللف والنشر، والتعديد، والإبهام، وتجاهل العارف، والإغراق، والجمع، والتفريق، والتقسيم. ومثل هذا يكثر في النصوص الدينية، والمراسلات الشخصية، والقطع الأدبية، فعلى المؤرخ المدقق أن يستعد لمثل هذه المفاجآت اللغوية، ويتهيأ لها. وحيث يعترض المؤرخ مثل هذه العتبات عليه أن يسعى لتذليلها بالوسائل نفسها التي يتذرع بها لفهم الغامض من ظاهر النص: عليه بمطالعة النص كله أولاً، ثم بمراجعة مؤلفات المؤلف الأخرى، فأقوال الزملاء المعاصرين. ويجدر به أن يترزن في مثل هذه المواقف فلا يتوقع الكناية مثلاً في غير محلها ولا يغفل عنها في محل وقوعها.

بقي علينا قبل اختتام هذا الباب أن نعترف بفضل علماء التفسير في هذا المضمار. فإن الأسس التي اتبعوها في أصول التفسير علمية صحيحة. قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية في رسالته في أصول التفسير1 ما نصه: «فإن قال قائل فما أحسن طرق التفسير فالجواب أن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فتر في موضع آخر وما اختصر في مكان فقد بسط في مكان آخر. فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له بل قد قال الإمام أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بما فيه من القرآن. وحينئذٍ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم. وإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمـة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فانه كان آية في التفسير، فإما تفسير القرآن: بمجرد الرأي فحرام حدثنا مؤمل حدثنا سفيان حدثنا عبد الأعلى عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار».


  1. مقدمة في أصول التفسير من كلام شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية،عني بتحقيقها الشيخ جميل الندي الشطي، مطبعة الترقي بدمشق ١٩٣٦، ص ٢٤-٢٢