صفحة:الأمثال العامية- مشروحة ومرتبة على الحرف الأول من المثل (الطبعة الثانية).pdf/17

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
(ع)

وإني أجري اليوم قلمي بهذه الأسطر، وأنا على مكتبي، تحيط بي أصونة الكتب، مما اقتنيت أو ألفت، وأذكر أني ما زلت أسير مثل هذه الجلسة منذُ عشرات الأعوام، كما كان يصنع أبي في حياته السالفة، على مكتبه، بين كتبه، وقد غاب عني محياه منذ ربع قرن، فتنساب بي التأملات، وأراني أعمد جهتي بيدي أقول لنفسي:

تری لو كان أبي ألزمني مكتبته، وقسرني على أن أختط خطته، أكنت أحفظ مهده، وأحمل أمانته، بعد أن طواه الردى، ومضى به ركب الأيام؟

لقد آثر أبي لأبنائه حرية الفكر، وحرية التصرف، وحرية الانطلاق … وكان يمنحهم هذه الحُريَّة في إطارٍ من حنانه وتعهُّده ورعايته، فإذا هو من حيث لا يرون يملك عليهم كل سبيل، ويأحذ دونهم كل منفذ، وإذا هُم من حيثُ لا يدرون يقفون خطاه، ويقتسمون ذكراه، وكان لهم منه نداء يحدوهم من وراء الغيب، فيستجيبون له في طواعية واستسلام…

ذلك درس علمنيه أبي في صمت، والدرس الصامت لا يتطرَّق إليه النسيان… علمني أبي معنى التربية الحرة الواعية، تلك التربية التي هي أملك للنفس من قيود الفرض والإرغام!

محمود تيمور