صفحة:الخيال في الشعر العربي.pdf/35

تم التّحقّق من هذه الصفحة.
–۳۵–

الانسان الى ابن عمه بحاجـة البازي الى جناحه وليس القصـد الاستدلال حتى يلتحق ببيت أبي تمام المسوق فيما سلف للاستشهاد على التخييل الذي يراد منه المخادعة وقول الدماميني

فلا تعجبوا بوما لكسر جفونها
فان اناء الخمر في الشرع يكسر

فالاسلوب في نفسه وارد في الغرضين غير ان فحوى الكلام ومجرى الخطاب وطبيعة المعنى تصرفك إلى التمثيل، أو تأخذ بك الى الاستدلال والتعليل

وقد يعمد الى أمرين يعدهما الناس بشدة التباين وغاية الاختلاف فيعقد بينهما تشابها وتجد هذا في قول المعرى

وشبيه صوت النعي اذا قيـ
س بصوت البشير في كل ناد
أبكت تلكم الحمامة أم غنـ
نت على غصن دوحها المياد

فالمعهود ان النفس ترتاع لصوت النعي وتتقطر حزناً، وترتاح لصوت البشير وتأنس له طرباً، ولكن الحكيم يغوص في أعماق الحوادث، وينظر الى ما تصير اليه من العواقب، فيتراءى له أن ليس في الحياة ما يدعو الى لذة، أو يستثير النفس الى جزع، فتكون نغمة البشير وصيحة الناعي في أذنه سواء، ولا يرى فارقا ما بين النواح والحداء