صفحة:الخيال في الشعر العربي.pdf/83

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

-۸۳-


فقد لفظته قريحته عفواً وانساق اليها بدون اجهاد نظر، ومن ثم كانت أمثال هذا التخيل الجيد نادرة في أشعارهم ولو كانوا ممن يذهب في صوغ المعاني الى ازعاج الفكر وحثه على استخراجها من مغاصها العميق كما يفعل المولدون اظفرنا له بنظائر لا تحصى، ثم ان فن التخيل كسائر الملكات والصنائع انما يترقى شيئا فشيئا ويتكامل يوماً فيوماً، فتطلع لزهير بن أبي سلمى مثلا على تخيلات لا تظفر بها في أشعار من تقدموه بأمد بعيد فالعهد الذي يعبر فيه هذا الشاعر عن معنى ان من لم تجب الى الامر الصغير يقع تحت وطأة الامر الكبير بقوله ومن يعص أطراف الزجاج فانه يطيع العوالي ركبت كل لهذم لا يصح أن يكون من أوائل العصور التي ظهر فيها التخيل الشعري، فهذه الغاية من حسن البيان لايدركها الناس بفطرتهم الا بعد أن يتقلبوا في سبيلها أطواراً ويقضون في السير اليها أحقابا، كما أن ابن سفر الانداسي لو نشأ في البيئة والعصر اللذين نشأ فيهما زهير لم يسهل عليه أن يصف نهر اشبيليه الذي يصعد فيه الماء مسافة بعيدة ثم يحسر بقوله