۵۸۱
فلم يحرص بلد من بلاد العالم على أن يعنى، بمثل ما عنى الأمريكيون ، برسم خطين
متمايزين تمام التمايز لعمل الجنسين ، فقد جعلوا الرجل والمرأة يسيران بخطى متساوية، ولكن
في طريقين مختلفين على الدوام، فالأمريكيات لا يقمن أبداً بإدارة أي شيء من شئون
الأسرة الخارجية ، ولا أية عملية تجارية ، ولا من يشتركن في الحياة السياسية بشيء، ومن
جهة أخرى ، ليس ثمة أحد يحيرهن على القيام بالأعمال الخشنة في الحقول أو غيرها ، ولا
على بذل أي مجهود شاق يتطلب قوة جثمانية . هذا ، وليس في أمريكا أسر تبلغ من الفقر
أن تشذ عن هذه القاعدة . فإن كانت المرأة الأمريكية لا تستطيع أن تخرج من نطاق أعمالها
المنزلية الهادئة ، فهي من جهة أخرى ، غير مضطرة ألبتة إلى العمل في غيرها . ومن ثم كانت
الأمريكيات اللواتي كثيراً ما يبدين قدرة على حسن الفهم والإدراك لا تقل عن قدرة
الرجال، وهمة مثل همتهم، يحتفظن عادة بأنوثتهن وبرقة مظهرهن، وبآداب المرأة ، وحسن
سلوكها ، على الرغم مما يبدين أحيانا أن لهن قلوباً وعقولاً مثل عقول الرجال وقلوبهم .
لم يحدث قط أن افترض الأمريكيون أن المبادىء الديمقراطية تتطلب قلب أوضاع السلطة الزوجية ، أو إحداث أي اضطراب في سلطات الأسرة . فهم يعتقدون أن كل جماعة لابد لها من رئيس كي تحقق أغراضها ، وأن الرجل هو الرئيس الطبيعي في مجتمع الأسرة . فهم لا ينكرون إذن على الرجل حقه في توجيه شريكة حياته ، ويعتقدون أن هدف الديمقراطية في تلك الجماعة الصغرى التي تتكون من الزوج والزوجة : وكذلك في الجماعة الكبرى السياسية - المجتمع - لا يعدو تنظيم السلطات، الضرورية ، وجعلها مشروعة ، لا أن تهدم كل سلطة قائمة
وليس هذا الرأي خاصاً بأحد الجنسين وينازعه فيه الآخر ، فلم يحدث أبدأ أن
لاحظت أن النساء في أمريكا يعتبرن السلطة الزوجية حقا من حقوقهن اغتصبه الأزواج
منهن ، أو يعتبرن أنفسهن قد انحططن بخضوعهن لها، بل استبان لى، على العكس من
ذلك ، أنهن يفخرن بأن نزلن طائعات مختارات عن إرادتهن ، وارتضين أن يضعن النير على
عواتقهن ، لا أن يخلعنه عنها ، ذلك هو ، على الأقل ، الشعور الذي تعبر
عنه
فضليات
نسائهن، أما سائرهن فيلتزمن الصمت ، وليس من عادة المرأة الخاطئة في الولايات المتحدة
أن تطالب بحقوق المرأة ، في الوقت الذي تدوس فيه بقدميها أقدس واجباتها .
وكثيراً ما لوحظ في أوربا أن شيئاً من الاحتقار يكمن حتى في عبارات الثناء والملق التي يغدقها الرجال على النساء ، ومع أن الأوربي كثيراً ما يتظاهر بأنه عبد للمرأة ، فهو بعيد كل البعد عن أن يكون مخلصاً في اعتقاده أنها مساوية له ، أما في الولايات المتحدة فيندر أن يثني الرجال على النساء؛ ولكنهم يظهرون لهن كل يوم أنهم يقدرونهن حق قدرهن . ويبدون دائماً ثقة كاملة بقدرة الزوجة على حسن الفهم والإدراك ؛ كما يبدون احتراماً عميقاً لحريتها ، فهم يعترفون بأن عقلها لا يقل عن عقل الرجل قدرة على تعرف