صفحة:الديمقراطية في أمريكا (جزءان) - ألكسيس دي توكڤيل.pdf/580

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الحقيقة ، وأن قلبها ثابت على الاستمساك بها ثبات الرجل ، ولم يسعوا قط وراء أن يضعوا فضائل أحد الجنسين في مستوى دون مستوى فضائل الجنس الآخر ، تحت ستار التحيز والجبن والجهل.

ويبدو أن النساء في أوربا ، حيث يخضع الرجل في سهولة لحكمهن الاستبدادي ، قد حرمن بعض تلك الصفات التي تعد من أجل ما يتميز بها الجنس البشرى، وأنهن يعتبرن فاتنات مغريات ، وإن كن مع ذلك مخلوقات ناقصات ، ولما يدعو إلى الدهشة حقا أنهن ينظرن بأنفة إلى أنفسهن على هذا الضوء نفسه ، ويكدن يعددنها ميزة اختصصن بها ، يظهرن بمظهر الشخص الهياب التافه الضعيف ، على حين أن الأمريكيات لا يطالبن لأنفسهن بشيء من ذلك البتة.

وقد يقال من جهة أخرى ، إن الأوريبين قد رخصوا للرجل في ميدان الأخلاق بنوع عحيب نت الحصانة ، تنجيه من العقاب ، كأن ثمة فضيلة لاستعماله الخاص، وأخرى لإرشاد زوجته وتوجيهها ، وأنه صار بحسب الرأى العام ، يعاقب على الذنب الواحد بمعيارين مختلفين ، فتارة يعد الذنب جريمة ؛ وأخرى يعده هو نفسه مجرد غلطة ، أما الأمريكيون فلا يعرفون مثل هذا التقسيم الجائر للحقوق والواجبات ، فعندهم أن من يغرى فتاة يلحقه العار نفسه الذي يلحق ضحيته.

صحيح أن الأمريكيين قلما يوجهون إلى النساء عندهم عبارات الثناء والملق الحارة التي يلذ للأوربيين أن يوجهوها إلى نسائهم، ولكن سلوك الأمريكيين إزاء المرأة يتضمن دائماً أنهم يعدونها فاضلة ، مهذبة، وقد بلغ من احترامهم لحريتها الأخلاقية أن صاروا يحرصون كل الحرص على تخير الألفاظ التي يستعملونها في حضرة النساء خشية أن تفلت من أحدهم لفظة قد تجرح آذانهن ، وفي أمريكا يسمح للشابة غير المتزوجة أن تقوم بأية رحلة طويلة وحدها من غير أن يساور ذويها أي خوف عليها

لقد خفف المشترعون في الولايات المتحدة معظم العقوبات المقررة في قوانينهم الجنائية ، ولكنهم مع ذلك اعتبروا جريمة اغتصاب العرض جريمة كبرى، فليس ثمة جريمة يعاقب عليها الرأى العام بقوة ، أشد مما يعاقب على هذه الجريمة. وليس ثمة أية صعوبة في تعليل ذلك، فالأمريكي لا يتصور شيئا أثمن من شرف المرأة ، وأن لا شيء يجب أن يحترم مثل استقلالها ، فلا غرو أن اعتقد الأمريكيون أنه لا يوجد عقاب ، مهما بلغت قوته، يمكن أن يكفر عن جريمة الرجل الذي يسلبها إياها بالغصب والإكراه، على حين أن فرنسا ، حيث العقاب على الجريمة نفسها أخف جدا مما في أمريكا ، كثيراً ما يكون من الصعوبة بمكان الحصول من المحلفين على حكم يدين المتهم ، فهل جاء هذا نتيجة احتقار للياقة والآداب ، أم جاء نتيجة احتقار للمرأة نفسها ؟ أنا لا يسعني إلا أن أرى أنه جاء نتيجة الأمرين كليهما .

وهكذا يرى الأمريكيون أن ليس من حق الرجل والمرأة ، ولا هو من واجهما ،