صفحة:الديمقراطية في الإسلام (1952) - العقاد.pdf/170

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

177 برأيه وأن يشاور في الملات خواص الناس وعقلاءهم ، ومن يتفرس فيه الذكاء والعقل وجودة الرأي وصحة التمييز ومعرفة الأمور ، ولا ينبغي أن تمنعه عزة الملاك من إيناس المستشار به وبسطه واستمالة قلبه ، حتى يمحضه النصيحة ، فإن أحداً لا ينصح بالقسر ولا يعطى نصيحة إلا بالرغبة ، وما أحسن قول الشاعر : أهان وأقصى ثم يستنصحونى ومن ذا الذي يعطى نصيحته قسرا قال الله تعالى : ( وشاورهم في الأمر) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه دائماً . لما كانت وقعة بدر خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة في جماعة من المسلمين ، فلما وصلوا بدرا نزلوا على غير ماء ، فقام إليه رجل من أصحابه ، وقال : يا رسول الله ؛ نزولك ها هنا شي ء أمرك الله به أو هو من عند نفسك ؟ قال بل هو من عند نفسي قال : يا رسول الله ! إن الصواب أن ترحل وتنزل على الماء فيكون الماء عندنا فلا نخاف العطش ، وإذا جاء المشركون لا يجدون ماء فيكون ذلك معيناً لنا عليهم ، فقال رسول الله : صدقت . ثم أمر بالرحيل ونزل على الماء . « واختلف المتكلمون في كون الله أمر رسوله بالاستشارة مع أيده ووفقه ، وفى ذلك أربعة وجوه : أحدها أنه عليه السلام أمر بمشاورة الصحابة استمالة اقلوبهم وتطييباً لنفوم ، والثاني أنه أمر بمشاورتهم في الحرب ليستقر له الرأى الصحيح فيعمل عليه ، والثالث أنه أمر بمشاورتهم لما فيها من النفع والمصلحة ، والرابع أنه إنما أمر