صفحة:الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب (1951) ج.2.pdf/95

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

نزاع كنت ترى وتسمع الجدل في اللاهوت أني وجدت ، ان في الحانات والخمارات ، أو في الملاهي والملاعب ، أو في المشاغل والمصانع ، أو في القصور والمجالس ، أو في الأديرة والكنائس ، فالبيزنطي لم يكن ذاك التقي الضجور الذي لا يرى في هذه الدنيا إلا حياة ثانية يتبرم بطولها وينتظر نهايتها للتخلص من متاعبها ومشكلاتها ، وانما كان نقيا متحمساً مندفعاً في سبيل تطبيق الدين القويم قدر المستطاع ليرث ملكوت السموات . الطبقات : والغريب المستغرب الا يكون هذا الاستمساك الشديد بالانجيل قد اثر في نفوس الافراد . فهذه الدولة المسيحية المتطرفة في مسيحيتها عانت نزاعاً شديداً وغيظاً متطايرآ وحقداً ضغونا بين الفقراء والاغنياء . ولم يدر هذا النزاع ، كما هي الحالة بيننا اليوم ، على مثال اعلى . يعترف بصحته الطرفان ويحاول كل منهما ان يقنع الآخر بان الوصول اليه هو عن هذه الطريق لا تلك . وانما كان نزاعاً فجا حاول فيه القوي ان يبتلع الضعيف ابتلاعاً . ولم يتم هذا النزاع في المصانع وبين المداخن ، وانا دارت رحاه في الحقول الباسبة والمراعي الضاحكة في الريف لا في المدن . فالمزارع الصغير كان يقاسي الأمرين من الحروب الطاحنة والغزوات الخاربة والضرائب الفادحة والوسائل الزراعية الغاشمة . وكان جاره الكبير الطامع كبيراً في المال والجاه والنفوذ . ومما زاد في الطين بلة ان العرف السياسي في الدولة قضى بأن يتربع المزارع الكبير على كراسي الحكم وان يسعى كل موظف كبير الى استملاك الاراضي . وأدى هذا التكالب على المراعي والمزارع الى الغش والخداع يعرض مزارع كبير على جار فقير استكراء أرضه لقاء مبلغ معين من المال يغريه به . فيقبل الفقير وتتم الصفقة ثم يمتنع المزارع الكبير عن الدفع فيلجأ الفتير الى القضاء . فيمتطي الكبير جواده ويهدد ويعربد ويستخف بادعاء جاره ويؤكد أن الملك له وان مثله لا بلجأ الى فقير يستكري ◆