صفحة:العقد الفريد ج.1-2 (1953).pdf/12

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
(و)
التعريف بالكتاب ومؤلفه

وكان لها عند العلماء منزلة و مكان ؛ فليس ثمة ما يمنع أن يكون ابن عبد ربه قد استعان كثيرآ أو قليلا ما كانت تضم المكتبة العربية في قرطبة من آثار المشارقة.

وقد قدمنا القول في صدر هذا البحث أنه لم يسبق ابن عبد ربه إلى التأليف في باب الأخبار والنوادر على هذا النحو إلا ثلاثة نفر : الجاحظ، وابن قتيبة ، والبرد .

أما الجاحظ والمبرد فقد كان لها نهج في التأليف يخالف نهج العقد ، على اتفاقهما في الموضوع و الغرض ؛ فكان انتفاعه ما اطلع عليه من مؤلفاتهما في المادة لا في الطريقة وأما ابن قتيبة ، فان بينه و بين ابن عبد ربه منشا به من وجوه ، خلت بعض الباحثين على الزعم بأن صاحب العقد كان في نهجه وفي تبويه لاحقا مقلدة ، بل قد لا بعضهم في الاستنتاج فزعم أن ابن عبد ربه قد سطا على كثير من كتب ابن قتيبة فنقلها نقلا إلى عقده بحالها من غير تغير كبير ، وإنه مما يقوي هذا الزعم ، تلك الشهرة العظيمة التي كان يحظى بها ابن قتيبة عند أهل الأندلس ، حتى كانوا يتهمون من خلت مكتبته من مؤلفاته ، ولكن العقد الفريد على الرغم من ذلك غير عيون الأخبار ، وابن عبد ربه غير ابن قتيبة ، ولكل من الرجلين شخصيته المتميزة بوضوح من خلال مختاراته ، ولكل منهما مزاجه وروحه ومذهبه وجوه التي يعيش فيه و يصدر عنه ، فسواء كان هذا الزعم صحيحة أو مبالغة في الاستنتاج ، فلن يضير ذلك صاحب العقد شيئا ، ولن ينقص شيئا من قدر کتابه ، إذ كانت المادة التي اجتمع منها الكتابان ليست ملكا لأحد الرجلين ، ولا هي أثرا من إنشائه الأدبي الخالص ولكنها تراث مشترك يتوزعه أبناء العربية ما خلف آباؤهم .

... وليس معنى أنه لم يسبق ابن عبد ربه في بابه إلا دؤلاء النفر الثلاثة ، أنه لم يأخذ عن غيرهم ، ولكن الذي نعنيه أن انتفاعه بكتب هؤلاء النفر كانت أظهر دلالة على نفسها ، وإلا فقد كانت مكتبة قرطبة لهذا العهد حالة بطائفة من الكتب لم يجتمع مثلها في زمان في مكان ، فلا بد أن يكون ابن عبد ربه قد استعان منها بالكثير ، إلى جانب ما أخذ من أفواه العلماء المغاربة الذين كانت لهم رحلة إلى المشرق أذاعوا بها عالم العربية بين الشرق والغرب

* * *