صفحة:العقد الفريد ج.1-2 (1953).pdf/23

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ يسّر وأعن

قال أبو عمرو أحمد بن عبد ربّه الأندلسيّ:

الحمد لله الأوّل بلا ابتداء، الآخر بلا انتهاء؛ المنفرد بقدرته، المتعالي في سلطانه؛ الذي لا تحويه الجهات ولا تنعته الصّفات؛ ولا تدركه العيون، ولا تبلغه الظنّون؛ البادئ بالإحسان، العائد بالامتنان؛ الدالّ على بقائه بفناء خلقه، وعلى قدرته بعجز كلّ شيء سواه؛ المغتفر إساءة المذنب بعفوه، وجهل المسيء بحمله؛ الذي جعل معرفته اضطرارا، وعبادته اختيارا؛ وخلق الخلق من [بين] ناطق معترف بوحدانيّته، وصامت متخشّع لربوبيّته؛ لا يخرج شيء عن قدرته، ولا يعزب عن رؤيته؛ الذي قرن بالفضل رحمته، وبالعدل عذابه؛ فالناس مدينون بين فضله وعدله، آذنون بالزّوال، آخذون في الانتقال؛ من دار بلاء، إلى دار جزاء.

أحمده على حلمه بعد علمه، وعلى عفوه بعد قدرته؛ فإنّه رضي الحمد ثمنا لجزيل نعمائه، وجليل آلائه ؛ وجعله مفتاح رحمته، وكفاء نعمته، وآخر دعوى أهل جنّته، بقوله جلّ وعزّ: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

وصلّى الله على النبيّ المكرّم، الشافع المقرّب، الذي بعث آخرا واصطفي أوّلا، وجعلنا من أهل طاعته، وعتقاء شفاعته. وبعد:

فإنّ أهل كلّ طبقة، وجهابذة كلّ أمّة؛ قد تكلّموا في الأدب وتفلسفوا في العلوم على كلّ لسان، ومع كلّ زمان؛ وإنّ كلّ متكلّم منهم قد استفرغ غايته وبذل مجهوده في اختصار بديع معاني المتقدّمين، واختيار جواهر ألفاظ السالفين؛ وأكثروا في ذلك حتى احتاج المختصر منها إلى اختصار، والمتخيّر إلى اختيار. ثم إني رأيت