صفحة:العقد الفريد ج.1-2 (1953).pdf/48

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢٦
الجزء الأول

المال، وشرّد العيال، فأفقر أهله وفرّق ماله.

واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتصّ لهم؟ واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلة أشياعك عنده وأنصارك عليه؛ فتزوّد له ولما بعده من الفزع الأكبر.

واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلا غير منزلك الذي أنت فيه، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحبّاؤك، يسلمونك في قعره فريدا وحيدا. فتزوّد له ما يصحبك ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ.

واذكر يا أمير المؤمنين ﴿إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ

فالأسرار ظاهرة، والكتاب ﴿لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها.

فالآن يا أمير المؤمنين، وأنت في مهل، قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ولا تسلّط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمّة، فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك. ولا يغرّنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك. ولا تنظرنّ إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غدا وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله تعالى في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد ﴿عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ.

إني يا أمير المؤمنين، وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولو النّهى من قبلي، فلم آلك شفقة ونصحا، فأنزل كتابي إليك كمداوي حبيبه يسقيه الأدوية الكريهة لما يرجو له في ذلك من العافية والصحة. والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته1.

هيبة الإمام في تواضعه

لابن السماك

قال ابن السماء لعيسى بن موسى: تواضعك في شرفك أكبر من شرفك!


  1. انظر نهاية الأرب (٦:٢٧)