صفحة:العقد الفريد ج.1-2 (1953).pdf/54

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢٤
الجزء الأول

حليما ذا أناة. ثم انظر إلى ذوي الحسب والدين والمروءة فليكونوا أصحابك وجلساءك؛ ثم ارفع1 منازلهم منك على غيرهم، على غير استرسال ولا انقباض، أقول هذا واستخلف الله عليك.

من معاوية إلى زياد في رجل فر إليه

قال أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن مجالد عن الشعبي، قال: قال زياد: ما غلبني أمير المؤمنين معاوية في شيء من السياسة إلا مرة واحدة، استعملت رجلا فكسر خراجه، فخشي أن أعاقبه ففرّ إليه واستجار به فأمنه؛ فكتبت إليه: إن هذا أدب سوّأ من قبلي. فكتب إليّ: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة، لا نلن جميعا فتمرح الناس في المعصية، ولا نستبد جميعا فنحمل الناس على المهالك. ولكن تكون أنت للشدة والغلظة وأكون أنا للرأفة والرحمة2.

ما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم

قالت الحكماء: أحزم الملوك من قهر جدّه هزله: وغلب رأيه هواه، وجعل له الفكر صاحبا يحسّن له العواقب، وأعرب عن ضميره فعله، ولم يخدعه رضاه عن سخطه ولا غضبه عن كيده.

وصية عبد الملك لولي عهده الوليد

وقال عبد الملك بن مروان لابنه الوليد وكان ولي عهده: يا بنيّ، اعلم أنه ليس بين السلطان وبين أن يملك الرعية أو تملكه إلا حرفان: حزم وتوان.

لبعضهم في اليسير من الزلل

وقالوا: ينبغي للعاقل ألّا يستصغر شيئا من الخطأ والزلل، فانه متى ما استصغر الصغير يوشك أن يقع في الكبير؛ فقد رأينا الملك يؤتى من العدوّ المحتقر، ورأينا الصحة تؤتى من الدواء اليسير، ورأينا الأنهار تتدفق من الجداول الصغار.

في الذم يكون من الرعية

وقالوا: لا يكون الذم من الرعية لراعيها إلا لأحد ثلاثة: كريم قصّر به عن قدره فاحتمل لذلك ضغنا، أو لئيم بلغ به ما لا يستحق فأورثه ذلك بطرا، أو رجل منع حظّه من الإنصاف فشكا تفريطا.


  1. في بعض الأصول «أعرف».
  2. الخبر في لباب الآداب.