صفحة:المدينة المسحورة (1946) - سيد قطب.pdf/52

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

٥٠

إليه من جميل… عندئذ نفض يده من المسألة وأحالها على زوجه وابنتها…

وراحت الأم تتلطف في نقل الخبر إلى الفتاة، وتثنى على الفتى الذي يتقدم لخطبتها خطبة الشرفاء. و… و… وما سمعت الفتاة خلاصة الحديث حتى أحست لأول مرة بعد الرحلة المشئومة أنها تملك لسانها، فاندفعت ثائرة كاللبؤة الجريح، ترفض وترفض وترفض، وتنحى على الأم والأب بلا ترفق ولا تحرج وتسب الرحلة المشئومة التي ساقتها إلى هذا المكان، وتعلن في تأكيد قاطع أنها لن تكون لأحد من الأناسي، وإذا لم يكن بد من أن تكون لأحد، فلتكن لوحوش الفلاة أو كواسر الجو أو دود التراب !

وانطوت على نفسها بعد الثورة الجامحة، وراحت تنشج نشيجاً متواصلا، وجسمها كله يرتجف و يهتز، والعجوز البائسة تنسى ثورة الفتاة وجموحها لتضمها إليها ضما رفيقاً، تسكن جأشها، وتهدىء روعها، وتعدها في حنان بالغ أنها ان تجبر على شيء، وأنها طليقة من كل ضغط، فتهدأ الفتاة رويداً رويداً، وترقأ دموعها المنهلة، و يسكن جسدها المضطرب، ويأخذها النوم في حجر أمها فتنام !