صفحة:المدينة المسحورة (1946) - سيد قطب.pdf/54

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

٥٢

وفي ليلة من الليالي وقد طلع القمر على الصحراء الوسيعة الفسيحة، طافت بنفسه الذكرى : ذكرى الليلة الأولى التي أشرف فيها على الغابة من شرفة القصر، فنسى نفسه يومها ونسى القصر والملك، وأحس أنه هنالك في الغابة يسير والحورية الفاتنة ترافقه، والقمر وحده يشهد جولتهما في قبة السماء…

وتنهد في جوف الليل بحرقة حتى لكاد صدره أن ينشق، وأخذ ينشج نشيجاً حاراً متواصلا، والصمت من حوله مطبق والقمر وحده يشهد في صفحة السماء…

هنا أحس حور بشهقة الملك فانتفض مستيقظا، وتقدم إلى الملك، ناسياً جميع ما بينهما من فوارق. تقدم إليه كما يتقدم الصديق للصديق، يعطف عليه ويواسيه. واتصل قلب الملك بقلب تابعه الأمين، فأخذ يبثه لواعج نفسه في إسهاب، و بلا كلفة ولا احتياط.

واقترح حور أن يقوما بجولة وحدها في هذه القمراء، أمل السير والسمر يفرجان عن نفس الملك الحزينة، فما كان أسرع ما لبى الملك الاقتراح. وسارا على هيئة واتناد، وأخذها الحديث الطويل، والقمر المنير.