بسلاحهم ولكنه لم يسمح لعبدالله باشا بأكثر من تأمينه على حياته، وعند منتصف الليل خرج عبدالله باشا من سراديب برج الخزنة يرافقه كتخداه خورشيد بك ويتقدمها اللواء المصري سليم بك الذي كان قد أوفد خصيصاً لهذه الغاية. فاستقبله السرعسكر بما لاق بمقامه الوزيري وطلب إليه أن يقدم حساب خزنته وأن يسلم أمواله. فاعتذر مؤكداً أن صندوقه أضحى فارغاً بعد حصار طويل كثرت فيه مطالب الجند ولاسيما وأن كلاً منهم كان يتقاضى سبع مئة وخمسين غرشاً في الشهر. وكان قنصل النمسة لويس كتفاكر قد توقع هذا الجواب في حديث بينه وبين السرعسكر فأحضره السرعسكر وقدمه إلى عبدالله باشا قائلاً أترى كيف نجحت في الاعتماد عليه والركون إليه! وانتهت المقابلة في نصف ساعة وخرج عبدالله وكتخداه فامتطيا خيلهما وتوجها إلى قصر البهجة حيث بقيا تلك الليلة1. وفي الغد أمر السرعسكر بنقل عبدالله باشا إلى الإسكندرية ليمثل بين يدي العزيز وأمر كلاً من اللواء سليم بك وكاتب الديوان وأربعه أنفار أن يرافقوه إلى مصر. وطلب إلى خورشيد بك كتخدا عبدالله باشا أن يبقى في عكة ليشرف على أحوال حرم الباشا وأتباعه، ولكن الخوف استولى على عبد الله وتبع كتخداه باكياً وقال إما أن يقطع إبراهيم باشا راسي أو أن يسمح الخورشيد بك بالسفر معي وبات يتضرع ويبكي حتى أمر السرعسكر بتوجه الاثنين معاً2. فقاما إلى الإسكندرية على ظهر سفينة حربية. وودع عبدالله حصناً كان قد نشأ فيه ثم مـا فتئ أن تسلمه فبالغ في الانفاق عليه والتفاخر به ومن ثم تركه قاعاً صفصفاً يعلوه الدخان وتنبعث من جوانبه روائع الجثث المنتنة.
وعلى الرغم من الأوامر المشددة بتحريم النهب والسلب فإن الجنود الفاتحين قضوا ليلتهم يفعلون. وفي اليوم التالي أعيد النظام وأعاد بعض الجند بعض ما سلبوا. وعاد قنصل النمسة إلى عكة بثوبه القنصلي الفضفاض وقبعته المثلثة الزوايا يستغل خراب بلدة طالما استغل إثراءها من قبل. ووضعت السلطات المصرية يدها على مخازن الحامية فوجدت فيها كميات كبيرة من البارود والقنابر والقمح والذرة والأرز والعدس تكفي حاميتها مؤونة سنتين كاملتين3. وخسر المصريون أربعة ألاف ما بين قتيل وجريح. ووقع منهم في أثناء الهجوم الأخير خمس مئة واثنا عشر قتيلاً وألف وأربع مئة وتسعة وعشرون جريحاً. وتوفي في أثناء الحصار