صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/20

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٣٤
بشير بين السلطان والعزيز

لم يفعل لما تبلغه من «التنبيه والتشديد والتهديد» ولذا فإنه يعتبر أن «هذا المبدأ قد انقطع» وأن نار هذه الشهوة قد خمدت. ثم يضيف أن الأمراء اللمعين كان قد سبق لهم أن تنصروا وأنه لم يبق منهم على طريقة الدروز سوى الأمير أحمد قايدبيه المقيم في برمانا وأولاد الأمير نصر مراد المقيمين في المتين وأن هؤلاء أي أولاد الأمير نصر كانوا قد أظهروا رغبة في التنصر ولكنهم عندما سمعوا تهديد الأمير وتشديده تركوا ما كانوا قد عزموا عليه ثم ما فتئوا أن قبلوا الدين المسيحي سرّاً1.

۹ - أصابع الإنكليز: وخشيت الحكومة البريطانة مطامع القيصر الروسي، فوقفت له بالمرصاد. وعزمت ألا تفسح له المجال لتطبيق بنود معاهدة هنگار إسكلەسى ولاسيما السري منها. فقام الملك وليم الرابع يؤكد في خطبـة العرش في شهر شباط من السنة ١٨٣٤ أنه سيمنع حدوث أي تغيير في علاقات الدولة العثمانية بدول أخرى يكون من شانه التأثير في سلامتها واستقلالها. وأمر وزير شؤونه الخارجية الفيكونت بالمرستون السفير البريطاني في الآستانة بأن يدعو الأسطول البريطاني داخل الدردنيل إذا طلب السلطان مساعدة القيصر ودخل الأسطول الروسي داخل البوسفور. وعندما نشبت نار الفتنة في فلسطين في أيار من السنة نفسها استطلع السلطان رأي الحكومتين البريطانية والإفرنسية في إرسال أسطوله لمعاقبة العزيز فكان جوابها أن عرش الخلافة في خطر إذا جازف السلطان بحرب ضد العزيز. ولما أبى العزيز دفع الجزية المستحقة عن النصارى واليهود في بر الشام وأدنة سنة ١٨٣٤ فاتح الباب العالي السفير الروسي في الآستانة بقصد تطبيق معاهدة هنگار إسكلەسى فتقدم روسية المساعدة ضد والٍ ثاثر فكان جواب هذه أن المعاهدة دفاعية محضة وأنه لا يمكن تقديم المساعدة ما دام الباب العالي البادئ بالعدوان، ولكن ما كادت تصل هذه الأوامر والتعليمات إلى من يعنيهم الأمر حتى وصلت الأخبار بأن الثورة هدأت في بر الشام وأن العزيز بفضل مساعدة حليفه الأمير اللبناني أصبح قابضاً على ناصية الحال. فهدأت مخاوف أوروبة وزال أمل السلطان في انتفاع عاجل من مشاغل العزيز ومشاكله2.

ورأى العزيز أن يخلص نفسه من سيادة محمود الثاني ورجال بطانته لما رآه من سوء النية ودس الدسائس فاتصل بقناصل إنكلترة وفرنسة والنمسة في أواخر صيف السنة ١٨٣٤ معلناً


  1. محمد شريف باشا إلى سامي بك: المحفوظات ج ۳ ص ١٤٧
  2. اطلب تاریخ مصر السياسي لمحمد رفعت بك ص ۲۰۱-۲۰۳