صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/30

صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٤٤
بشير بين السلطان والعزيز

سيره فبلغ جنعم وأخبر الدروز بما أمر به السرعسكر فامتثل أكثرهم ولكن العريان أبى وفرّ بمئة فارس إلى حوران. وفي اليوم التالي قام وفد من دروز جنعم إلى شبعا فمثلوا بين يدي السرعسكر وقدموا الطاعة إليه وأربع مئة بندقية وطلبوا العفو منه فأجابهم إلى سؤلهم وأمرهم بالعودة إلى أوطانهم وقام هو بعسكره إلى قطنة بالقرب من دمشق وأمر بالبقاء في راشيا لإدلاء النصح للعريان بوجوب التسليم. وعاد العريان من حوران بغية التسليم عن يد الشهابي الكبير. ولدى وصوله إلى صغبين في غربي البقاع أرسل مندوباً عنه إلى بتدين يطلب إلى الأمير اللبناني أن يسلم عن يده فرفض الأمير لأنه لم يضمن النجاح. فأقبل جرجس على العريان في صغبين وضمن له ما تمنى وأخذه إلى قطنه فتقبل السرعسكر استسلامه وعينه رئيساً على خمس مئة خيال غير نظامي1.

وفي صباح اليوم التالي دخل ياور السرعسكر على جرجس ينقل إليه أمر سيده بالمثول أمامه بين يديه. ففعل وما أن مثل بين يديه حتى قال له السرعسكر لقد جئتنا يا جرجس بذنب الحية وأبقيت رأسها. فاذهب الآن إلى حوران واتصل بالدروز في اللجاة وبلغهم العفو وأخرجهم من معاقلهم واذهب بهم إلى شريف باشا ليقدموا الطاعة إليه، وسلمه السرعسكر أمراً مقتضباً إلى الحكمدار يقول فيه: «شريف باشا! واصل جرجس الدبس زي ما يأمركم به افعلوه! الإمضاء: إبراهيم» فقام جرجس من قطنه إلى حوران يرافقه الشيخ حسن البيطار أحد أعيان الدروز في راشيا. وذهب إلى المعسكر المصري في قرية عاهرة وطلب مقابلة الحكمدار فأذن له بالدخول فوجـد الحكمدار مجلس عسكري يحيط به كبار الضباط وإلى جانبه المعلم إبراهيم طنوس كاتبه الخاص. ولم يكترث الباشا به لخشونة مظهره. فقدم جرجس رسالة السرعسكر وأرفقها بأمر العفو عن الدروز فانتصب الباشا قائماً وأكرم جرجس وقال «خلصني من هذا العذاب لأني أصبحت كالأسير».

ثم دخل جرجس ورفيقه اللجاة وقصد الشيخ يحي الحمـدان فوصل إليه في نصف الليل فرحب به وأثنى عليه ذاكراً خدماته لأبناء وطنه الدروز فقص جرجس قصته على شيخ المشايخ وذكر له ما أبداه السرعسكر من اللطف نحو دروز وادي التيم بعد أن قدموا سلاحهم ثم نصح إليه أن يقتدي بهم وأن يقوم وفد من دروز اللجاة إلى العاهرة حاملين الأسلحة وما أخذوه من نوعها في موقعة داما ليمثلوا أمام الحكمدار ويسمعوا نطق العفو. فدعا شيخ المشايخ أشياخ الدروز وأطلعهم جرجس على مهمته فأثنوا عليه وأكدوا له أنهم أصبحوا بحالة يرثى


  1. ذكريات الدبس ص ١٣-١٤