البعض الآخر أهل طروادة، يتشاتمون ويتضاربون، يخونون ويغدرون، لا يرعون من البشر إلا من يتقرب إليهم كيفما كانت أخلاقه، ويذهبون في رعايتهم إلى حد أن يهبوا مختاريهم التوفيق في الخديعة أو المهارة في السرقة، لا يحفلون بعدل أو بظلم إلا فيما ندر، ولا يُعتد كثيرًا بما ورد في الأوذيسيه من إشارات خلقية ومن ذكر عدالة تزوس؛ فإن فيها أيضًا تسليمًا بالقدر يقضي به الآلهة على البشر دون اعتبار لقيمة أفعالهم، بل إن القدر يسخر من الفضيلة ويعبث بالإرادة الصالحة، وأما الإنسان عند هوميروس ومعاصريه من اليونان فمركب من نفس وجسد، والجسد مكون من ماء وتراب ينحل إليهما بعد الموت، والنفس هواء لطيف متحد بالجسد متشكل بشكله ينطلق بالموت شبحًا دقيقًا لا يحسه الأحياء فينزل إلى مملكة الأموات في جوف الأرض وقد احتفظ بالشعور وفقد القدرة على العمل، فهو يألم لذلك ويقضي هناك حياة باهتة تافهة خير منها بألف مرة الحياة على وجه الأرض في ضوء النهار مهما تبلغ من البساطة والفقر، وليس في هذا العالم الآخر ثواب ولا عقاب إلا في النادر يوزعهما الآلهة بمثل ما يوزعون في الحياة الفانية من عدل معكوس فيحابون أصدقاءهم وينكلون بأعدائهم، وليست صداقتهم قائمة على الخير أو عداوتهم مسببة عن الشر.
ج — فنحن هنا في أحط درجات التشبيه وبإزاء أوقح أشكال الاستهتار نرى العاطفة الدينية ضعيفة إلى حد العدم، والمبادئ الخلقية مقلوبة رأسًا على عقب، ونظن السبب راجعًا إلى أن هذا الشعر كان ينشد في بلاط أمراء أيونية، وكان هؤلاء على جانب كبير من الغنى والترف، فلم يكن الشعراء يتغنون بغير ما يروقهم، فيصورون الحياة سهلة جميلة، والشهوة غلابة لا يقفها وازع، والقوة ممدوحة لذاتها لا يحدها حق، غير أن الأوذيسيه أكثر تقديرًا للفضائل؛ فهي بالإجمال تمجد الرجل الحكيم الشجاع الصبور، والزوجة الوفية، والابن البار،