والخادم الأمين، ولما كان اليونان قد تدارسوا هذا الشعر جيلاً بعد جيل؛ فقد بقي التأنيس عندهم، وتأليه السماوات بما فيها، والإيمان بالقدر الأعمى أصولاً للدين، وتغذى ميلهم الطبيعي للتمتع بالحياة بما وجدوه في هذا الشعر من الصور والأمثال، وسوف لا يني الفلاسفة عن معارضته حتى تبلغ هذه المعارضة أشدها عند أفلاطون.
٣ — هزيود
أ — ولم يعدم الضمير الإنساني في ذلك العصر صوتًا يجهر بأحكامه المقدسة ويتكلم عن الدين والأخلاق في جد ووقار، هو صوت هزيود أقدم شاعر تعليمي في الغرب، عمِّر في القرن الثامن، نشأ في بوبثيا فلاحًا بعيدًا عن بهرج الحضارة، ونظم للفلاحين ديوانًا أسماه: «الأعمال والأيام» ملأه حكمًا وأمثالًا تسودها فكرة عامة هي فكرة العدالة، فتراه يقول: «السمك والوحش والطير يفترس بعضها بعضًا؛ لأن العدالة معدومة بينها، أما الناس فقد منحهم تزوس العدالة، وهي خير وأبقى.» وأيضًا: «إن للملوك آكلي الهدايا عدالة ملتوية، أما تزوس فأحكامه قويمة.» ويقول: «من يضر الغير يجلب الشر على نفسه. عين تزوس تبصر كل شيء. إذا كان الذي يربح الدعوى هو الأكثر طلاحًا فمن الضار أن يكون الإنسان صالحًا، ولكني لا أعتقد أن يكون تزوس الحكيم جدًّا قد صنع مثل هذا. إن ساعة العقاب آتية لا محالة، وإن تزوس يهب القوة ويذل الأقوياء، يضع الذي يطلب الظهور ويرفع الذي يقعد في الخفاء.» وغير ذلك كثير خلاصته أن الحق فوق القوة، والإنسانية فوق الحيوانية. ب — ويذكر لهزيود ديوان آخر في «أصل الآلهة» يرى بعض العلماء أنه منحول وأنه متأخر عن عهده بقرن أو يزيد، وهو على الطريقة التعليمية حاول فيه الشاعر أن يؤلف مجموعة معقولة من الأساطير والمعارف القديمة، افتتحه