-117- شيء كان قانوناً أم إنسانا ؟ ألا أن العدالة والفضيلة والسعادة على حسب الطبيعة أن يتعهد الإنسان في نفسه أقوى الشهوات ثم يستخدم ذكاءه وشجاعته لإرضائها مهما تبلغ من قوة ، مع تظاهره بالصلاح لإسكات العامة والانتفاع بحسن الصيت ، ولا يتسنى هذا لغير الرجل القوى ، لذلك ترى العامة تعنف الذين تعجز عن مجاراتهم لتخفي بهذا التعنيف ضعفها وخجلها من هذا الضف ، وتعلن أن الإسراف عيب محاولة أن تستعبد من ميزته الطبيعة من الرجال ، ونشيد بالعفة لقصورها عن إرضاء شهواتها الإرضاء التام ، و بالعدالة لجبنها وقعودها عن عظائم الأمو ، ولو صح ما تقول من أن السعادة في الخلو من الحاجات والرغائب لوجب أن تدعو الأحجار والأموات سعداء . لا سسبه ی .. هذي دعاوى السوفسطائيين ، فلنسألهم أولا : أليس يتفق مع الطبيعة أن الكثرة أقدر من الفرد ؟ فإن كانت الكثرة هي التي فرضت القانون فهي الأحسن من حيث أنها الأقدر وقوانينها حسنة حسب الطبيعة لأنها قوانين الأقدر . و إن كانت ترى أن العدالة تقوم بالمساواة وأن الظلم أقبح من الانظلام فرأيها مطابق للطبيعة وإذن فلا تعارض بين الطبيعة والقانون . - ولنسألهم ثانياً : من هو الأحسن الأقدر الذي يتمدحون به ؟ وهل هاتان الصفتان متلازمتان أم يمكن أن يكون إنسان حسنا ضعيفاً مما ، قويا ردينا مما ا مهما نقاب المسألة فلا محيص من التسليم بأن الأحسن هو الأحكم في عمله ، أيا كان هذا العمل ، وأن الحكيم بالإجمال هو الملتزم جادة القصد والاعتدال ، والحكيم في السياسة على الخصوص هو الذي يحقق في نفسه هذا الاعتدال ويضبط شهواته قبل أن يحكم الآخرين و إلا ساءت حاله وحالهم جميعاً . ولنتصور رجلهم الأقوى الذي يقيمونه مثلاً أعلى وقد بلغ إلى قمة السلطان قصار طاغية لا يردعه رادع من ضميره ولا من الناس ولا تشتهى نفسه شيئاً حتى تنال من اللذات أصنافاً – هل هو سعيد ؟
صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/122
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.