صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/186

تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

م واللواحق في المصنوعات والطبيعيات على السواء ، والأمر أوضح في النبات والحيوان وكلاهما يفعل بالطبع من غير بحث ولا مشورة ، فإذا كان السنونو يبني عشه بدافع طبيعي ولأجل غاية ، وكان العنكبوت ينسج خيوطه ، وكانت العمل والنحل تقوم بوظائفها المعروفة ، وكان النبات ينتج ووقه لحماية ثمره ، و يرسل جذوره لا إلى أعلا بل إلى أسفل لامتصاص الغذاء ، فمن البين أن الغائية متحققة في الطبيعة ، ولا يقدح فيها أن الطبيعة تتج أحياناً مسيحاً فتفوتها الغاية ، فإن الحي الذي لا يحقق نوعه صادر عن مادة فاسدة غير مطاوعة أو عن فاعل عاجز ، لا عن عدم اتجاه الطبيعة إلى الناية . وانما يقال مسخ بالقياس الى الأصل الذي تتوخاء الطبيعة كما يقال خطأ أو لحن بالقياس إلى القاعدة النحوية ، فالغائية القاعدة ، والمسوخ الأخطاء . و إذا تقرر ذلك كانت السوابق المادية شرطا ضروريا لغاية ، ولم تكن الغاية نتيجة ضرورية لها ، فتنعكس الآية و يخرج لنا معنى للضرورة لا يتنافى مع الغائية بل يدخل فيها ، هو ضرورة الشرط اللازم لتحقيق الغاية بحيث تكون الغاية متقدمة على المادة مع افتقارها لها ، فبناء البيت من الضروري فيـه ترتيب أجزائه على ما ذكر ، والسبب في الغاية منه أي الإيواء والصيانة ، وكذلك إذا أردنا نشر الخشب وجب أن نصنع المنشار من حديد وعلى الصورة المعروفة والا لم تتحقق غايتنا . فالضرورة تقال عن المادة لأنه من الضروري أن تكون المادة كذا وأن ترتب على نحو كذا ، ولكن علة هذه الضرورة هي الغاية والصورة ، بحيث أن المتحقق في العالم هي الضرورة الشرطية لا الضرورة المطاقة . – هذا حل أرسطو للمسألة الطبيعية ، يخضع المادة للعقل والآلية للغائية ، ويكسبر النطاق الضروري الذي كان قدماء الفلاسفة قد ضربوه حول العالم ، و يفتح مجالاً للإمكان بنوعيه : الاتفاق والحرية